زهير ماجد
قد تكون سكة الحديد قد وحدت أوروبا أكثر من تلاقي الاوروبيين فيما بينهم .. مثل هذا الكلام قاله قديما بسمارك حين جاء الألمان لشكره على توحيد المانيا فرد ذلك الى سكة الحديد . واليوم تسحب الصين من جعبة التاريخ طريقا للحرير عبر سكة حديد تلف نصف العالم .. العالم يترابط ، أنها مشاركة الدول التي تفكر بمصالحها المستقبلية ، تريد ان تبنى قواعد اقتصادية لها ، ان تستثمر عقولها حتى انقطاع النفس .. والكل في هذه الحالة من هؤلاء الكبار يريد ان يتنافس ، وتلك قصة طويلة بدأت مع اول مسمار صنعته الصين ثم قامت بتصديره الى العالم ، الى ان صار هذا العالم مخزنا لصناعتها .
اوروبا اذن في هدأة سكونها الأمني تريد جيشا موحدا يضم ملايين ابنائها ومن كل دولها المتحدة . سوف لاتعجب الفكرة ترامب مهما قال وتقول ، وهو من يملك الحلف الاطلسي ، لكنه صار من ماض كان فيه التنافس اوضح بكثير مما عليه الآن ، اذ كان هنالك حلف وارسو بعمادة الاتحاد السوفياتي وتزعمه وسيادة قراره .. بعد الحرب العالمية الثانية صار هنالك افكار متخاصمة ولو انها توحدت فترة من الزمن ضد النازية وحطمت هتلر واقتلعت شوكته من كل اوروبا وأعادت بناء الدمار الرهيب الذي وقع فيها .
ما الذي سيفعله جيش اوروبي فاز على الفور بتأييد الرئيس الروسي بوتين .. الزعيم الروسي سوف يجد في اقتراح الرئيس الفرنسي ماكرون بإنشاء هذا الجيش محطة ممكنة كي تتكيء عليه روسيا لأنه يصير على تخومها وقد تصبح حيوية فيه .
ماكرون لم يهمس فكرته تلك ، قالها علانية ، ليحظى بتأييد المانيا التي لم تعد تخيف احدا مع انها كانت رأس حربة العالمية الاولى ، والمفجر الأكبر للحرب الثانية . لكن الحقيقة التي لانزاع حولها ، ان في كل ألماني مهما افرد من كلمات مخاصمة للنازية بعض منها .. المانيا العملاقة اعادت سطوتها بعد قليل من سقوطها في الحرب الثانية ، وعلى الرغم من شطرها الى قسمين .. تريد المستشارة ميركل في التأييد المباشر والسريع لماكرون حول جيش اوروبي ان لاتحيد المانيا عن موقعها في القلب من اوروبا ، وقبل ان تغادر الموقع والسياسة كما اعربت عن ذلك قبل مدة .
ليس جديدا فكرة الرئيس الفرنسي ، فرنسا طرحتها قبل عشرين عاما تقريبا لكنها ظلت كلاما جميلا لايبدو ان احدا تشجع لقبولها . وبالاعتقاد ان الاميركي قد يتطلع بعين غير راضية على هذه الخطوة ان صارت ، مع انه يشجع كثيرا قيام جيش اسلامي طويل عريض تكون اميركا عماده في التسلح ، لنتصور كما سيحتاج هذا الجيش ان قام من سلاح وتسليح ومن حاجات عسكرية بالمليارات وكلها بالطبع من مخزون اميركي .
كل العالم يفتش عن مصالحه برغم التباعد فيما بينه ، إلا انه لن ييأس في البحث عن الطرق التي تجعله يحقق غاياته ، وخصوصا عندما يصل الأمر الى مصلحته وحساباته.. ومن الواضح ان هنالك بحثا عن تحقيق المكونات الجغرافية المتشابكة، وحدها الجغرافيا تصنع التاريخ واحداثه، ترسم الكثير من التفاصيل التي ينبنى عليها من اجل ان يكون للغد حياة .
فهل تحقق اوروبا جيشها الخاص لتبدأ رحلة من السؤال على مايبدو ضد تكوينات كبرى قائمة فيها وعلى رأسها الحلف الاطلسي الذي تتزعمه اميركا وترى فيه حضورها في اوروبا التي سماها يوما مسؤول اميركا كبير بالقارة العجوز .
الوطن العمانية
Discussion about this post