يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس الأميركي ترامب قررت إنهاء أزمات الشرق الأوسط عبر ما يطلق عليه بمنطق (رأيُ القويِّ، وفكرة ُ الغَلاّبِ). فبعد الاعتراف الأميركي بأن القدس هي عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية الكبرى, ها هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوقع إعلانا يعترف فيه بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية, في خطوة أقل ما يمكن أن توصف ببيع الوهم ممن لا يملك لمن لا يستحق.
هذا الاعتراف الأحادي الباطل والمخالف للقانون الدولي من الجانب الأميركي يشكل في حد ذاته تهديدا خطيرا للأمن القومي العربي ومستقبل الاستقرار في الشرق الأوسط, ويؤكد مساعي الولايات المتحدة الأميركية لتعزيز جانب القوة والمكانة العسكرية والأمنية للمستعمرة الإسرائيلية الكبرى نظرا لكون هضبة الجولان السورية تشكل (أهمية استراتيجية استثنائية بالنسبة لمن يسيطر عليها، إذ تسمح جغرافية (الهضبة) الفريدة وقممها المرتفعة بالإشراف على العاصمة دمشق شرقا، وعلى سائر المدن وسط وغرب إسرائيل. كما تطل على مناطق في الأردن ولبنان، ومن يسيطر عسكريا على الهضبة يمكنه أن يطول أي مكان حتى بأبسط الأسلحة التقليدية), هذا بالإضافة إلى المكانة والأهمية السياسية والاقتصادية, وهذا هو الحلم الصهيوني بعد خطوة الاعتراف بالقدس. وما يتضح من صكوك الملكية التي توزعها الولايات المتحدة الأميركية في هذا الزمان والمكان من التاريخ المعاصر للشرق الأوسط على وجه التحديد, هو أن الولايات المتحدة الأميركية قد خلعت من على وجهها قناع الحياء الذي كانت تلبسه (مجاملة) في بعض الأوقات مع الدول العربية, وهي بذلك ترسل رسالة واضحة للجميع, لسان حالها: إن جميع القضايا العربية التي تتداخل مع مصالح المستعمرة الإسرائيلية الكبرى ستبذل أميركا كل طاقاتها لإنهائها قبل انتهاء رئاسة الرئيس ترامب لصالح إسرائيل, شاء من شاء وأبى من أبى.
أمر آخر وهو أن أميركا تستغل الفوضى والانقسام الحاصل في الوضع العربي المعاصر (كالعادة طبعا) لصالح تعزيز مكانة إسرائيل كخنجر في خاصرة الأمة الإسلامية, خصوصا أن الأوضاع السياسية والأمنية في الشرق الأوسط أقرب ما تكون إلى مرحلة الفوضى السياسية، وبكل تأكيد فإن إنهاء صراعات وقضايا طال حولها الصدام (البارد) بين العرب من جهة وإسرائيل من جهة أخرى لصالح هذه الأخيرة فرصة لا بد أن تستغل بكل السبل والوسائل, ومن المتوقع أن الولايات المتحدة الأميركية ستمضي بكل قوة في هذا الاتجاه الأحادي, القائم على مخالفة القانون الدولي والاعتداء الصريح على سيادة الدولة السورية, إلا إذا وجدت في طريقها عثرة لها وزنها، كما هو حال التحرك الروسي في فنزويلا.
على أن ذلك لن يكون بسهولة القرار الأميركي الذي اتخذته مع القدس مع نهاية العام 2017م, والذي وللأسف الشديد لم يجد في مواجهته سوى (الاستنكار العربي). فسوريا دولة لها مكانتها ووزنها السياسي والعسكري بالرغم من الظروف السياسية والأمنية التي تمر بها, ولا يمكن بحال من الأحوال أن يمضي هذا القرار كما يتوقع الرئيس ترامب دون تبعات خطيرة على منطقة الشرق الأوسط, يضاف إلى ذلك فإن من المتوقع أن تتحرك القوة الروسية في اتجاه إثقال الكفة السورية في هذا الاتجاه، سواء أكان ذلك على الصعيد العسكري أو السياسي, وهو أمر يقع في صالح الأمن القومي الروسي من جهة, وحماية للمصالح الروسية في الشرق الأوسط من جهة أخرى.
الوطن العمانية – محمد بن سعيد الفطيسي