إن حادثة الإسراء والمعراج التي نحتفل بذكراها العطرة هذه الأيام تعد في
المقياس البشري ونواميس الكون من أعظم الحوادث على الإطلاق التي عايشها
الناس وتابعوا تفاصيلها، وذلك لما حفلت به هذه الحادثة من معجزات خارقة
للعادة، وهي حادثة على الرغم من أسبابها الإنسانية والدينية والحكم الإلهية
من ورائها التي أدت إلى حدوثها، وسيلة من وسائل الإقناع ومعجزة ربانية
اختار توقيتها وأسبابها المولى جلت قدرته لحكم وغايات. فالناس في ذلك
الزمان ليس من السهولة بمكان أن يحصل لديهم الاقتناع دون دليل قوي عقلي
وملموس.
لقد جاءت حادثة الإسراء والمعراج إثر أحداث مر بها النبي محمد صلى الله
عليه وسلم، منها وفاة عمه أبي طالب الذي كان السند القوي في الدفاع عن
المصطفى عليه الصلاة والسلام، فوجود أبي طالب في حد ذاته قد وفر بيئة آمنة
للدعوة الإسلامية نوعًا ما وذلك من خلال ما يتمتع به أبو طالب من مكانة في
المجتمع الجاهلي، وبين زعماء قريش، كما أنه ـ وكما يقال إن المصائب لا تأتي
فرادى ـ فقد توفيت زوجته الحنون السيدة خديجة رضي الله عنها التي وفرت هي
الأخرى بيئة يسودها الدفء ومشاعر الاطمئنان والملاذ الآمن. وهذان الحدثان
المؤلمان تركا أثرًا نفسيًّا كبيرًا لدى النبي صلى الله عليه وسلم، لتكون
ثالثة الأثافي فيما لقيه عليه الصلاة والسلام من أهل الطائف الذين قصدهم
للدعوة الإسلامية، فإذا بهم يسلطون عليه صبيانهم وصغارهم ليؤذوه ويقذفوه
بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين. فجاءت حادثة الإسراء والمعراج
انتشالًا له من أحزانه وتخفيفًا منها وتسرية له عما لاقاه هو وأصحابه من
ضيم وظلم وطغيان من مشركي قريش.
من كل ذلك يقود الفهم إلى أن حادثة الإسراء والمعراج كانت إيذانًا بالتغيير
المطلوب والمنشود لصالح الدعوة الإسلامية، من حيث فرض الفرائض والشرائع
وتوضيح الأركان، ووضع منظومة تشريعية بها تتحقق حكم الله سبحانه، ويتحقق
معها رضاه ومبتغاه، وتتحقق مصالح العباد، ويتضح أمامهم الهدف من خلقهم وفي
الحياة الدنيا.
وبقدر ما أبرزت حادثة الإسراء والمعراج مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم،
والتكريم الإلهي له، التكريم الذي لم يحظ به نبي قبله بالقدر ذاته، بقدر ما
جاءت لتعطي الدروس والعبر التي يجب على كل مسلم أن يتعلمها ويتمسك بها،
وأن تكون نهجًا وسلوكًا في حياته وفي تعاملاته اليومية، فيظهر حالة
الاقتداء بالرسول الكريم القدوة الحسنة، سواء من حيث الصبر على المشقة
والعنت، والإيمان بأن عاقبة الصبر الخير، فمن رحم المحنة تولد المنحة،
والأخذ بالأسباب وصدق التوكل على الله، واليقين التام والمطلق بأن من كان
مع الله كان الله معه، أو من حيث الإيمان المطلق بقدرة الله وعظمته، أو من
حيث بيان أن جميع الأنبياء إخوة بعثوا لغايات جليلة وأهداف سامية واحدة، أو
من حيث تحويل القبلة إلى البيت الحرام، وبيان مكانة المسجد الأقصى في
الإسلام.
إن ما يؤسف له أن تأتي ذكرى حادثة الإسراء والمعراج وقد تمكن أعداء أمة
الإسلام منها، وتشرذمت إلى طوائف متناحرة، تحاصرها الفتن والفوضى والخيانة
من كل مكان، ويصبح المسجد الأقصى رهينة بيد أعداء أمة الإسلام، ومهددًا
بالانهيار والدمار جراء الحفريات في أساساته، ويصبح المسلمون كلهم ممنوعين
عن الصلاة فيه إلا بقدر يحدده أعداء الإسلام. ألم يحن الوقت بعد للحفاظ على
طهارة المسجد الأقصى وحمايته من التدنيس والانتهاك؟ ألم يحن الموعد لأن
تستيقظ أمة الإسلام من سباتها وتترك أسباب فرقتها وعثرتها وهي تحيي ذكرى
الإسراء والمعراج؟











