مازن بلال
يثير تسليم رفات جندي إسرائيلي من قبل روسيا جدلاً حول مفاهيم خاصة بالأزمة السورية، وعلى الأخص طبيعة العلاقات السورية مع العالم نتيجة الاضطراب الذي حدث طوال السنوات السابقة، فالحدث السوري إجمالاً لم يغير فقط من أشكال العلاقات الإقليمية؛ إنما منحها مفاهيم مختلفة ومتبدلة وفي كثير من الأحيان متناقضة وفق تبدل ميزان القوى العالمي.
قدمت روسيا والصين منذ بداية الأزمة السورية حالة غير مسبوقة في مجلس الأمن، ولم تكن المسألة بالنسبة لهما مرتبطة بانحياز لأحد أطراف الصراع بقدر كونها رهاناً على تعديل الميزان الدولي، فهناك رقم قياسي في استخدام الفيتو ضد قرارات تخص سورية خلال فترة زمنية قصيرة؛ ما دفع الولايات المتحدة لتغير أسلوبها في آلية التعامل مع مشاريع القرارات الدولية، وهذا المشهد في أروقة الأمم المتحدة قدم توازنا دوليا مختلفا، واتضح أن الصراع الناشئ دولياً سيُعقد من جملة الأزمات في العالم، فما حدث كان مؤشراً على حقبة ارتجاج دولي، ولا يشكل عودة نحو الحرب الباردة التي اتسمت بمعسكرات دولية، وبصراع اقتصادي مختلف جذريا عما يحدث اليوم.
ضمن مفهوم العلاقات الدولية الناشئة منذ اندلاع الأزمة السورية فإن أوروبا والولايات المتحدة تقدم تصورا لأزمات العالم، لكنها غير قادرة على تشكيل معسكر أو كتلة كما كان يحدث خلال الحرب الباردة، فهناك تحالفات آنية وتناقضات مختلفة على الأخص بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
في المقابل فإن الصين وروسيا لا تملكان ساحة تنافس مختلفة عن الولايات المتحدة، فهناك سوق واحد ومؤسسات مصرفية (البنك الدولي) هي الأقدر حتى اللحظة على التأثير القوي في جملة العلاقات العالمية، وما قامت به موسكو وبكين عبر تأسيس بنك ينافس البنك الدولي هو خطوة مازال مبكرا الحكم على قدرتها في الدخول بتنافس دولي، فالقوى الدولية عموماً تملك النمط الاقتصادي نفسه على الأقل، وهو ما يجعل إمكانية تصادمها أصعب لكنه يرفع من التصعيد على مستوى الحروب الاقتصادية.
ضمن المشهد الدولي فإن الأزمة السورية هي مرحلة كسب للوقت بالنسبة للقوى العالمية، ومن الطبيعي أن تحاول كل من روسيا والصين التأثير في تحالفات واشنطن في المنطقة، وأن تقوي روسيا قنواتها الدبلوماسية بشكل يزعج الولايات المتحدة مع بعض حلفائها مثل السعودية و«إسرائيل»، ومع إدراك الكرملين أن المسألة هي «إزعاج» وليس تغيير في موازين القوى، فإن عناصر الأزمة السورية تبقى كما هي، فلا الولايات المتحدة مستعدة لسحب الشرعية عن تشكيلات المعارضة المتهالكة، ولا روسيا مستعدة لزيادة الثقل السياسي والعسكري بشكل يحول الأزمة السوري إلى اشتباك إقليمي واسع، على حين تبقى الصين ضمن همومها في السباق الدولي الأكثر سخونة اقتصادياً وعلمياً.
إن السؤال عن طبيعة ما قامت به روسيا تجاه «إسرائيل» لا يتوافق مع الصراع الدولي، وربما من الأفضل البحث عن أشكال القوة التي تعيد تشكيل إرادة ومصالح جديدة لصراعنا مع «إسرائيل»، فموسكو وواشنطن وحتى بكين ليست معنية بإعادة تشكيل هذه الإرادة، فهي لديها معادلاتها الخاصة في رؤيتها لما يجري دوليا، وتملك أيضاً أدوات تتجاوز سورية وشرقي المتوسط عموما، والأزمة السورية هي نقطة اشتباك وحيدة من بين العديد من النقاط التي تتعامل معها القوى الدولية.
العلاقة السورية مع روسيا تجاوزت كل الهموم الإقليمية منذ عام 2015، فهي ضمن خريطة مختلفة تماما عن أنواع الصراع كافة التي عرفتها الأجيال السورية منذ الاستقلال، وبالتأكيد فإن هذه العلاقة ستأخذ مساحات جديدة عندما تستطيع المؤسسات السياسية السورية إعادة تشكيل إرادتها بشكل قوى، وتصبح مسألة الصراع مع «إسرائيل» أولوية على المستوى الاجتماعي وليس عند النخب فقط.
الوطن السورية