لا بد أن يشعر المرء بالقلق وهو يتابع التصعيد الإسرائيلي غير المبرر على قطاع غزة، ومحاولة كيان الاحتلال الإسرائيلي جر الفلسطينيين إلى أتون حرب عدوانية يفرضها عليهم، كما في كل مرة، ذلك أن ليس هناك ما يبرر قيام الكيان المحتل بشن مثل هكذا عدوان على حوالي مليوني فلسطيني يحاصرهم داخل قطاع غزة.
من المؤسف حقًّا أن تستهدف آلة الحرب الإسرائيلية هؤلاء العزل والمحاصرين عن إصرار وترصد، والذين سقط منهم حتى كتابة هذه السطور سبعة شهداء وإصابة العشرات، في الوقت الذي لم يبدر عن الجانب الفلسطيني ما يدعو إلى استعمال القوة الغاشمة بهذا الشكل. ومن المؤسف أيضًا أن يتساقط هؤلاء الشهداء والجرحى المدنيون في الوقت الذي يبحث فيه الشعب الفلسطيني عن حريته وحقوقه ويناضل من أجلها بالوسائل السلمية، المتمثلة في الجهود التي تقودها السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة بشخص الرئيس محمود عباس، وفي مسيرات العودة السلمية.
إن هذا التصعيد العدواني الإسرائيلي على قطاع غزة يؤكد الفهم الثابت والواسع أن كيان الاحتلال الإسرائيلي لم يثبت في يوم ما أنه مستعد للاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وأنه مستعد للتفاوض الجاد على قضايا الحل النهائي المعروفة، بل إن كل ممارساته لم تقدم إشارة ـ ولو واحدة ـ على أنه يسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وبهذا العدوان يعمل على تضييق مساحة التفاؤل بحل سلمي ينقذ أرواح الأبرياء والعزل في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، ويعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المسلوبة.
وإذا كان كيان الاحتلال الإسرائيلي ينظر إلى الظروف الدولية نظرة إيجابية وأنها تخدم ممارساتها ومشروعاته الاحتلالية وتدعمها بصورة أو أخرى، فإن التمادي في ارتكاب الانتهاكات والممارسات العدوانية لن يحقق ما يسعى المحتلون الإسرائيليون إليه، ذلك أن الجرائم والقوة العسكرية الغاشمة لا تحقق نصرًا شاملًا ومنجزًا، بل على العكس تعطي نتائج كارثية لكل من غلَّبها على صوت العقل والحكمة والحوار، والشواهد في التاريخ كثيرة تؤكد مصداقية ذلك، فضلًا عن أن الشعب الفلسطيني بما يمتلكه من ثوابت وحقوق وشرعية لن يستسلم ويقدم حقوقه وأرضه وكرامته وحريته على طبق من ذهب للمحتل الإسرائيلي، وإنما سيواصل نضاله حتى نيل حقوقه، وقد تسلح بالأمل في استعادة حقوقه وتحقيق آماله، والصبر على المكاره والآلام والعذابات التي استمرأها المحتل الإسرائيلي وبدعم واضح من حلفائه الاستراتيجيين الذين كشفوا عن أقنعتهم وأكدوا موقعهم وتموضعهم من الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
إن ما يجب أن يقر به كيان الاحتلال الإسرائيلي هو أن العنف والإرهاب والتدمير ليس حلًّا لما يريد تحقيقه، فهناك وسائل أجدى وأنفع ومجربة، وتحفظ الدماء وتحقق المراد، وتجنب حصد الخسائر، إنها وسائل تتمثل في الحوار الجاد والاعتراف بالآخر وبحقوقه، والرغبة الأكيدة في تحقيق الاستقرار والسلام والبرهنة على حب التعايش.
على الجانب الآخر، وعلى صعيد ما يسمى بالمجتمع الدولي أن يعي تمامًا أن ثمة أرضًا فلسطينية محتلة وشعبًا يرزح تحت الاحتلال، وبالتالي ليس مقبولًا أن يواصل تفرجه على جرائم الاحتلال الإسرائيلي دون أن يتدخل ويضع حدًّا لذلك، وليس مقبولًا أن تتخذ بعض قواه مواقف مؤيدة ومتواطئة مع كل جريمة يرتكبها المحتل الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، لقد حان الوقت أن تتغير هذه السياسة الممالئة والداعمة، وأن تنظر إلى الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بعين واحدة.
Discussion about this post