يتوقع أن تشهد السياسة الخارجية الأميركية بعض التوازن، خصوصا فيما يتعلق بقضايا وأزمات الشرق الأوسط، بحيث يتم ضبط البوصلة الأميركية واستعادة الولايات المتحدة دورها المتراجع لصالح روسيا والصين، والعمل على تحسين صورة الولايات المتحدة لدى الرأي العام العربي..
أظهرت نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأميركي استعادة الحزب الديمقراطي للأغلبية بمجلس النواب بعد غياب ثماني سنوات، مع محافظة الجمهوريين على أغلبية مقاعد مجلس الشيوخ، ما يضع الحزب الديمقراطي أمام اختبار صعب، لأنه لن يكون في مواجهة الشعب الأميركي الذي أعطاه ثقته وينتظر استعادته لهيبة ومكانة المؤسسات الأميركية، وإنما سيكون كذلك في مرمى الرئيس ترامب الذي كان يسعى للانفراد بصناعة القرار الأميركي، ولا يتورع عن الدخول في صراعات مريرة مع خصومه من أجل تنفيذ مخططاته ورؤاه السياسية والاقتصادية.
بل ومما يزيد الأمر صعوبة بالنسبة للحزب الديمقراطي أنه سيكون ـــ أيضا ـــ في مواجهة الدول والشعوب الأخرى التي باتت ترى في الولايات المتحدة خطرا على مصالحها وعلى وجودها، مما يدفعها لأن تعاملها بالمثل، الأمر الذي يضر بالدور الأميركي ويهدد مصالح الولايات المتحدة في العالم.
ومن شأن كل هذا أن يضع الديمقراطيين أمام تحدٍّ صعب، خصوصا وأن الفوز بأغلبية مقاعد مجلس النواب يخولهم فرض رقابة مؤسسية على رئاسة ترامب، وهو الدور الذي اختار الجمهوريون عدم القيام به نظرا لسيطرة ترامب الكاملة على اليمين، وهو ما من شأنه التأثير على أجندة البيت الأبيض في تمرير عدد من الملفات الأساسية.
فاختيار الشعب الأميركي للديمقراطيين في مجلس النواب، إنما يعكس تفضيله سياسة توازن السلطات داخل الولايات المتحدة، وإعادة الهيبة والمكانة للمؤسسات الأميركية، وذلك تفاديا لتفرد وهيمنة طرف على حساب الأطراف الأخرى، خصوصا وأن ترامب خلال الفترة الماضية قد عمد إلى تقليص دور المؤسسات معتمدا على سياسته الشعبوية التي تضمن له حالة من الرضا الجماهيري، بسبب تركيزه على تحسين الأوضاع الاقتصادية من خلال شعاره” أميركا أولا” حتى ولو كان ذلك على حساب مكانة ودور الولايات المتحدة في العالم.
وفي هذا الإطار يتوقع أن تشهد السياسة الخارجية الأميركية بعض التوازن، خصوصا فيما يتعلق بقضايا وأزمات الشرق الأوسط، بحيث يتم ضبط البوصلة الأميركية واستعادة الولايات المتحدة دورها المتراجع لصالح روسيا والصين، والعمل على تحسين صورة الولايات المتحدة لدى الرأي العام العربي، وذلك من خلال عرقلة ما يعرف باسم “صفقة القرن” أو على الأقل مراعاة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، خصوصا حقه في إقامة دولة.
كما وقد تراجع الولايات المتحدة مواقفها الداعمة للأنظمة الديكتاتورية في منطقة الشرق الأوسط، وتعيد دعمها للتجارب الديمقراطية، وذلك من أجل الحفاظ على استقرار المنطقة ومنع تفاقم وتدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية بداخلها.
وقد يدفع ذلك بالرئيس ترامب لتعديل مواقفه والتوقف عن سياساته الشعبوية والتعاون مع الحزب الديمقراطي خلال الفترة المتبقية له في البيت الأبيض حتى يستطيع استكمال أجندته السياسية وضمان دورة أخرى، وإلا سيكون البديل الدخول في صدام مبكر مع الديمقراطيين والاستمرار في الاعتماد على الشعبوية كآلية وحيدة يجيدها ترامب في التواصل مع المواطن الأميركي والعزف على وتر البطالة والخدمات الاقتصادية التي يقدمها له، تلك الاستراتيجية التي لم تنجح في تأمين نجاح الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي، والتي لا يتوقع أن تساعد ترامب كثيرا خلال الفترة المقبلة التي تحتاج إلى إعادة نظر الإدارة الأميركية الحالية في سياسة الولايات المتحدة الداخلية والخارجية لكسب ثقة المواطن والرأي العام العالمي من جديد.
د.أسامة نورالدين
كاتب صحفي وباحث في العلاقات الدولية –الوطن العمانية
Discussion about this post