القاهرة ـ « القدس العربي»: لم
تمر ساعات على موافقة البرلمان المصري على التعديلات الدستورية التي تسمح
للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بالبقاء في الحكم حتى عام 2030، حتى عقدت
الهيئة الوطنية المصرية للانتخابات، مؤتمرًا صحافيًا، أمس الأربعاء، لدعوة
المصريين للاستفتاء على التعديلات.
المستشار لاشين إبراهيم، رئيس الهيئة، قال خلال المؤتمر «إننا إعمالا
لأحكام الدستور ندعوكم للاستفتاء على التعديلات التي وافق عليها مجلس
النواب»، قائلًا: «إنكم على موعد مع حق دستوري، حيث يتم الاستفتاء بطريق
الاقتراع السري المباشر».
وأشار إلى أن الهيئة «حددت 19 و20 و21، أبريل/ نيسان الجاري، لاستفتاء
المصريين في الخارج، على أن يبدأ الاستفتاء في الداخل، في 20 أبريل/ نيسان
الجاري، ويستمر لثلاثة أيام».
ويظهر ذلك رغبة نظام السيسي في إنجاز الأمر وإغلاق ملف التعديلات بسرعة،
خاصة في ظل الأحداث التي تشهدها المنطقة، لاسيما ثورتي الجزائر والسودان،
التي أطاحت برئيسين، خلال شهر أبريل/ نيسان الجاري.
وتلقت الهيئة إخطارا من البرلمان، بالموافقة النهائية على التعديلات بأغلبية الأصوات، لتبدأ في إجراءات استفتاء الشعب عليها.
وكانت مصادر قضائية كشفت عن أن الهيئة بدأت الاستعداد للاستفتاء، قبل
موافقة البرلمان، وأبلغت القضاة الذين سيشاركون في الإشراف عليه، بمواعيد
الاستفتاء .
وتوسع التعديلات التي وافق عليها البرلمان بشكل نهائي، صلاحيات السيسي،
وتسمح له بالبقاء في الحكم حتى عام 2030، من خلال زيادة مدة الرئاسة من 4
إلى 6 سنوات، تطبق على المدة الحالية، وتسمح له بالترشح لولاية ثالثة،
إضافة إلى توسيع صلاحيات الجيش، من خلال إضافة فقرة تعتبره مسؤولا عن حماية
مدنية الدولة، واستحداث منصب لرئيس الجمهورية، وعودة مجلس الشيوخ بعد
إلغائه عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011. ومن بين 554
نائبا حضروا جلسة التصويت على الانتخابات، رفض التعديلات 22 نائبا.
وضمت القائمة التي احتفى بها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، نائبة واحدة، وحكم كرة قدم سابق.
وشكل تكتل «25- 30» المعارض، رأس الحربة داخل البرلمان، في رفض التعديلات.
ويضم التكتل 25 نائبا، يمثلون 2.8% تقريبا من أعضاء مجلس النواب.
وجاءت أكثر الكلمات وضوحا في رفض التعديلات، للنائب أحمد طنطاوي عضو التكتل، الذي أكد أنه لا يحب السيسي، أو يثق في أدائه.
وأشار إلى أن «التعديلات حملت نقطة خبيثة لم يلتفت إليها أحد، وهي أنها
منحت السيسي عامين إضافيين على الفترة الحالية، ما يجعل أول انتخابات
يخوضها عام 2024، ستجري بدون إشراف قضائي».
وينص قانون هيئة الانتخابات على إلغاء الإشراف القضائي الكامل على جميع
الاستحقاقات الانتخابية بحلول عام 2024، وهو ما يعني إجراء الاقتراع في
الاستحقاق الرئاسي تحت إشراف الأجهزة المحلية، وتولي وزارة الداخلية
مسؤولية تأمين صناديق الاقتراع، ما يسهل من عملية تزوير الأصوات في غياب
إشراف القضاة، في ردة تعيد مصر إلى عهود ما قبل ثورة 25 يناير/ كانون
الثاني 2011.
وأشاد نشطاء بموقف النائب رضا البلتاجي، حكم مباريات كرة القدم السابق،
والنائب عن دائرة حلوان في القاهرة، برفضه التعديلات ، واعتبروا أن موقفه
جاء متماشيا مع مواقف البلتاجي المعتادة منذ فوزه في الانتخابات
البرلمانية، حيث سبق للنائب رفض اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين
مصر والسعودية والتي انتقلت بموجبها السيادة على جزيرتي تيران وصنافير في
البحر الأحمر للمملكة. كما جاءت النائبة فايزة محمود لتكون الوحيدة بين 89
سيدة تحت قبة البرلمان، التي رفضت التعديلات، فيما شكل رفض إلهامي عجينة،
النائب المعروف بتأييده للسيسي، للتعديلات، مفاجأة خلال جلسة التصويت.
وقال عجينة المعروف بمواقفه المثيرة للجدل خلال الدورة البرلمانية السابقة، إنه كان يرغب في الموافقة على التعديلات، إلا أنه يرفضها.
وكان أحيل إلى لجان التحقيق في البرلمان بعد عدة أحاديث صحافية أثارت جدلا
واسعا في المجتمع المصري، بينها حديثه عن ضرورة ختان الفتيات، متهما الرجال
بأنهم لن يستطيعوا إشباع رغبات زوجاتهم، حال عدم ختانهن، إضافة إلى طلبه
إجراء كشوف عذرية على الطالبات عند التحاقهن بالجامعات.
مؤتمر سياسي
وفي إطار مواقف المعارضة الرافضة
للتعديلات، أعلنت الحركة المدنية الديمقراطية، التي تضم في صفوفها 7 أحزاب
معارضة، وأكثر من 100 شخصية عامة، عن تنظيم مؤتمر سياسي اليوم الخميس.
ودعت الحركة كل رافضي الاعتداء على الدستور من القوى السياسية، لحضور المؤتمر.
ودشن نشطاء مصريون حملة تدوين على مواقع التواصل الاجتماعي، وقالوا إنها
تستهدف رفض التعديلات، وتستمر حتى انتهاء الاستفتاء مساء الإثنين المقبل،
على أن يجري تفعيلها يوميا من الساعة السابعة إلى العاشرة مساء، من خلال
هاشتاغات لا للتمديد، ولا لتعديل الدستور.
حزب «العيش والحرية» تحت التأسيس، دعا كل «المناضلين في سبيل الديمقراطية
والعدالة الاجتماعية والطامحين لدولة مدنية لا تميز بين مواطنيها على أي
أساس إلى رفض هذا العبث عبر التصويت بلا في الاستفتاء المزمع إقامته
الأسبوع المقبل».
وقال في بيان: «مع خروج الصيغة النهائية لهذه التعديلات للنور، يتضح للجميع
ما شددنا عليه بمجرد طرح المسودة الأولية للنقاش في لجان البرلمان، وهو
أننا بصدد محاولة لتركيز السلطة بشكل مطلق في منصب رئيس الجمهورية والدائرة
الأمنية – العسكرية المحيطة به وتحصين قرارتها من أي مراجعة، فأتت الصيغة
النهائية بتلفيق يسمح لرئيس الجمهورية بالبقاء في موقعه لأكثر من عشرة
أعوام إضافية على الأقل، ولتطلق يده في تعيين النائب العام محامي الشعب
المفترض- وكذلك رئيس المحكمة الدستورية العليا المنوط بها الرقابة على
دستورية القوانين عبر رئاسته للمجلس الأعلى للهيئات القضائية».
وأكد «مشاركته في الاستفتاء، رغم انتفاء مؤشرات معقولة لعملية تصويت تحترم
الحد الأدنى من ضمانات الحرية والنزاهة، وأن خيار المقاطعة يصبح خيارًا
منطقيًا لو اقترن بالقدرة على تفعيله في شكل حملة منظمة تعبر عن غضب
الغالبية العظمى المتنامي ضد مجمل سياسات النظام الحاكم».
ونفى أن «تكون مشاركته في الاستفتاء قد تضفي شرعية على عملية الاستفتاء».
وأكد أن «النظام الحاكم، وداعميه في الخليج والغرب، لا يشغلوا بالهم كثيرًا
بحديث الشرعية، فهم يعرفون أكثر من غيرهم أن هذا الحكم لم يكن ليستقر إلا
بمزيج من القمع والتبعية، ويتصرفون على هذا الأساس. ومن ثم فكل مقاطعة
لاستحقاق انتخابي يعقده النظام لا تساهم في نزع الشرعية عنه بقدر ما تساهم
في ترسيخ الانطباع بأنه اللاعب الوحيد في الساحة وأن معارضته تفتقر
للبديل».
مناخ قمعي سلطوي
إلى ذلك، أكدت منظمات حقوقية في بيان مشترك أن «إجراءات تعديل الدستور المصري التي بدأت منذ فبراير/ شباط الماضي تتم في مناخ قمعي سلطوي، قائم على مصادرة الرأي الآخر وتشويه وترهيب المعارضين بمن في ذلك بعض أعضاء البرلمان».
وشدد كل من «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان»، و«الجبهة المصرية لحقوق الإنسان»، ومنظمة «كومتي فور جستس»، و«مبادرة الحرية»، ومركز «النديم» ، ومركز «بلادي» للحقوق والحريات، على أن «مساعي تمرير التعديلات الدستورية عصفت بكافة الضمانات لعملية استفتاء تتسم بالحد الأدنى من النزاهة والحرية».
واستنكرت «كافة الإجراءات القمعية وغير النزيهة التي اتخذت بحق الرافضين للتعديلات أو الداعين لمقاطعة الاستفتاء عليها».
وطالبت المنظمات الدولية المستقلة ذات الخبرة في هذا المجال بمراقبة عملية الاستفتاء بما في ذلك تقييم المناخ الذي طرحت فيه التعديلات الدستورية للنقاش، وما يشهده من مصادرة للحق في نقاش أوجه التعديل وحجج معارضيه، وحملات التخوين والتشهير بأصحاب الأصوات المعارضة»
وبينت أن «السرعة والسرية التي تمت بها التعديلات من أول طرحها في 2 فبراير/ شباط من هذا العام حتى الموافقة عليها وطرحها للاستفتاء تؤكد مساعي مسؤولين رفيعي المستوى في الدولة الى عدم خلق حالة حوار حول تأثير تلك التعديلات على مستقبل المصريين».
وزادت أن «الإسراع من تلك التعديلات يجنب خلق رأي ضد تلك التعديلات خصوصاً بعد الانتفاضات التي شهدها السودان بسبب مساعي الرئيس المخلوع عمر البشير لتعديل الدستور للبقاء في السلطة الى الأبد».
تامر هنداوي