هل ثمة من ضغط الزر ليتوقف المشهد في سوريا والعراق مقابل أكثر من حراك في بلاد إفريقيا العربية (الجزائر والسودان وليبيا)..؟ هل فعلا هي صورة الفوضى المنظمة المتنقلة التي يراد لها أن تعم المنطقة العربية وتؤتي أكلها تغييرا؟ ربما اختصرها متظاهر جزائري بقوله “المطلوب كل شيء جديد” أي لا قديم إطلاقا ..
ثمة صمت في المشرق العربي بعدما أصبحت الصورة في سوريا كما هي عليه اليوم من موقف غير مفهوم: هل هي استراحة محارب، أم هي فكفكة عقد لم يتم فكفكتها، أم ثمة خلافات مخفية وضغوطات..؟ هذا كله عند منطقة إدلب وجوارها، أما منطقة الفرات فما زالت هي الأخرى برسم تسويات تلعب فيها أميركا دور المتردد والمماطل، دور يعبث بالوقت وبالزمان.
ومع أن قصة “صفقة القرن” كانت تشكل الدوي، إلا أنها نامت هي الأخرى، ويقال إنها على سباتها إلى ما بعد شهر رمضان القادم .. فليس هنالك من مستعجل بعدما عاد نتنياهو رابحا، ليس فقط لجولة في الحكم، بل لتاريخ في تاريخ إسرائيل كله.
إذن، كل الكاميرات مصوبة باتجاه الجزائر وليبيا والسودان .. الشعب الجزائري بات واضح الهدف وهو “اقتلاع تام لكل ما كان قائما” بمعنى الخروج من قبضة “جبهة التحرير الجزائرية” الأمر الذي لا يسر كثيرا الشهداء لو علموا، ومن ما زال حيا من قاتلوا في الجيال والسهول، أو لبقايا الأرامل .. بمعنى أن الشعب الجزائري الجديد (أجيال الشباب) يريد رؤية حاله في نظام ودولة وحكم وسلطة .. فمن يسمع كلام المتظاهرين وأصواتهم التي ملأت الفضاء، يعرف بالتالي إلى أين تتجه الأمور .. المهم أن تبقى ضمن حدود الكلام، خوفا من سوريا أخرى.
وفي السودان تم خلع البشير، وتغيرت صورة العسكر مثبتة شكل الصراعات التي دارت فيما بينهم .. لكن السوادنيين زادوا من حضورهم في الساحات، هم يريدون حكومة مدنية، والعسكر يصعب عليهم ترك المقاعد بهذه السرعة، فهو بالتالي صراع ذو دلالات عميقة، فلا الشعب متراجع وبتقديره أنه صار في ربع الساعة الأخير، ولا المجلس العسكري بمتراجع أيضا بعدما حسم الموقف، ومن عادة الجيوش في عالمنا أن يكون لها الحسم وكل عوامله.
وفي ليبيا، تفتق جنون المتصارعين عن اللجوء إلى السلاح، إذ لا بد أن تكون صفقاته مربحة، والكل يعمل تحت سقفها، كما لا بد من مشاركة في التدمير كي يكون واصلا في التعمير .. والمشكلة أن أطراف الصراع أو الطرفين الأساسيين، لهما أكثر من أذن تسمع وموضوعة في أماكن باتت معروفة .. ومن يهمس هو من له الرأي النهائي في حركة الموت والمصادرة .. وليس غريبا أن تعلن الولايات المتحدة موقفها إلى جانب حفتر، وهي التي أساس القصة كلها.
وحتى لا نتوه في التحليلات أكثر، لا بد من القول إن الهمس في الأذن ليس مقتصرا على الليبيين فقط، لا بد من آخرين في الجزائر والسودان، لكي تكون حركة منظمة ومتابعة وخلف شعار لا تراجع عنه، فلهذه دلالاتها المتعددة .. صحيح أنها بروفات فوضى، لكنها أيضا منظمة وخلفها عقل أو لم يكن عقول .. لا فراغ إطلاقا، ومن يعيد قراءة المشهد في البلدين يعرف كل هذه الأمور.
الوطن العمانية – زهير ماجد