نارام سرجون
العلاقة بين العاصفة والهدوء علاقة معقدة ولانعرف من الذي يأتي بالآخر .. العاصفة يسبقها الهدوء ولكن العاصفة يتبعها الهدوء .. وكأنها جدلية الليل والنهار حيث الليل ينسلخ من النهار .. والهدوء ينسلخ عن العاصفة .. فما الذي نعيشه اليوم في الحرب السورية؟؟ أهو الهدوء بعد العاصفة ام الهدوء الذي يسبق عاصفة؟؟ فهناك جمود في مثلث الصراع في سورية بين المنطقة الشرقية والمنطقة الإرهابية في ادلب والمنطقة الحكومية .. فكل منطقة تنتظر المنطقة الأخرى لتحل مشكلتها .. فالأتراك ينتظرون حل المشكلة الكردية في الشرق السوري قبل ان يطلقوا سراح ادلب سلما ..
والامريكيون يراهنون على إبقاء ادلب رهينة بيد الاتراك بحيث يستعصي حل المنطقة الشرقية بسببها .. وفي نفس الوقت حل المنطقة الشرقية ينتظر التفاهم مع إسرائيل حول الوجود الإيراني ووجود حزب الله .. ويبدو ان لا شيء سيحرك الجمود الا عاصفة .. ولكن من سيطلق العنان لها؟؟
لم تتغير نظرتي للامريكيين وهي انهم شعبا ونخبا يحبون المقامرة ويسيرون حتى النهاية ولكنهم في آخر لحظة عندما يكتشفون ان الرهان سيخسر فانهم ينسحبون .. والسياسي الأمريكي اليوم يرمي بورقة الحصار النفطي والحصار الاقتصادي في المواجهة مع محور سورية وحلفائها .. ولكنه يدرك ان هذه الورقة هي ورقة خطرة جدا عليه لأن السوريين لديهم خيار حيوي وهو انهم سيتحولون مرغمين في ممر اجباري الى عملية اثارة الضغط على الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة الشرقية حيث خزان الطاقة والوقود السوري وسيتلو خروجهم غياب أي مبرر تركي للبقاء في الشمال .. والامر سيعني ان الأمريكيين سيقدمون جنودهم قربانا في عملية الحصار لأن المنفذ الوحيد الباقي للحصول على الطاقة وتحريك الجمود هو النفط السوري المسروق والمحتل في الشرق ..
أمريكا تستطيع إتمام الحصار المطبق على النفط القادم من الخارج ولا يملك السوريون الا تأثيرا محدودا جدا عليه فهم لا يقدرون على التحكم بالممرات البحرية وناقلات النفط وتسجيلها الخاضع للعقوبات .. ولكن السوريين يملكون فرصة في التحكم بمسار الحرب في الشرق السوري عبر تدفيع الأمريكي ثمن وجوده المحدود في الشرق .. وبالتالي فان الحل في الشرق هو الحل المتاح والأقل كلفة .. لكن يبقى فقط دراسة خيارات الاشتباك غير المباشر الذي يوضع على الطاولة بديلا عن الاشتباك المباشر الخطر ..
في هذا الشأن لا يقدر حتى الروس على ممارسة دور التهدئة واللجم اذا لم يقدموا حلا للأزمة النفطية الخانقة .. بل ان التفاهمات الروسية الامريكية بشأن حدود التنسيق قد تهتز .. وعلى العكس سيكون تفاقم الازمة مبررا للروس للانسحاب من عملية الفصل بين الأمريكيين والسوريين ويقدرون ان يقولوا ان دورهم للفصل بين الأمريكيين والسوريين انتهى عندما قرر الأمريكيون التصعيد وكسر التوازن في اخطر جبهة وهي الجبهة الاقتصادية لأن استمرار الحصار سيهدد الاستقرار الداخلي والأمن الاقتصادي وسيفاقم الازمات بشكل تصاعدي ويهز الإنجازات العسكرية السابقة بل وسيؤثر على القدرة على الحشد في أي معركة قادمة للتحرير ..
الأمريكي يراهن على عدم رغبة السوريين في مواجهة معهم ورغبتهم في تجنب أي مواجهة او تصعيد لأن أولويات الحرب على الإرهاب تتقدم على المواجهة المباشرة مع الإسرائيليين والأمريكيين الذين وضعوا علمهم على منطقة شرق الفرات وكأنها إشارة تحذير من عدم الاقتراب .. ويرفع الكرد الانفصاليون العلم الأمريكي كما ترفع السفن التجارية علم أميركيا لتتمتع بالحماية اذا ما مرت في منطقة أزمات او منطقة معادية وهي بذلك تضمن عدم التعرض لها رغم انها لا تحمل أي سلاح رادع سوى قطعة قماش عليها الوان العلم الأمريكي يظللها بحمايته ويعتبر الهجوم عليه هجوما على الأمة الامريكية ..
أخشى ان أقول ان ترامب قد وضع قدمه في الفراغ الخطر الذي يخشاه ويتجنبه لأنه رفع شعارا فحواه انه لن يموت الأمريكي خارج حدوده بعد اليوم .. وهو بتصعيد الضغط الاقتصادي اقترب من لحظة تعيده الى زمن ترحيل نعوش جنود أمريكيين من العراق وسورية الى اميريكا بعمليات حرب عصابات خفية تمرس عليها خصمه .. لأنه لم يترك للسوريين وحلفائهم في ايران والعراق خيارا غير ذلك .. خيار لا تقدر حتى روسيا على التحكم به اذا لم تتمكن من طرح حل تفاوضي وتسوية لحل الحصار الاقتصادي مع الأمريكيين ..
أعتقد ان الاميريكي سيصل قريبا جدا الى ان يكون امام خيار صعب جدا وهو اما ان يقبل باللعبة الخطرة والمغامرة التي قد تعني انه امام اية خسائر في الأرواح فسيجد نفسه مضطرا للرد والدخول في لعبة حرب لانهاية لها ولا عنوان سيمكنه فيها توجيه ضربات على اهداف سورية ولكنه بذلك سينتظر المزيد من عمليات ثأر مجهولة الهوية لا يتبناها أي طرف ويكون السوريون ظاهريا بعيدين عنها .. وكلما تزايد التوتر فان ذلك سيستدعي انكسار التفاهمات مع الروس الذين سيحددون موقفهم من تفاقم المواجهة الخفية ولكن موقفهم سيزداد قوة لانهم سيقومون بدور الوسيط بين الأمريكيين من جهة والسوريين وحلفائهم من الإيرانيين وحزب الله من جهة أخرى وسيديرون مفاوضات الخروج الأمريكي من سورية وانهاء الطموح الكردي ..
في سنوات الحرب على سورية مررنا بأيام كانت الطوابير طويلة للحصول على الخبز .. وانقطعت المياه والكهرباء عن حلب لسنوات .. وعطشت دمشق لأسابيع ولكن كل الحلول كانت من داخل سورية وكان الحل بالسلاح في دمشق وفي حلب وفي كل الأزمات .. وموجة حصار الوقود سيكون حلها داخليا في الشرق السوري لتحرير منابع النفط وطرق الطاقة القادمة من ايران ..
والحل هو اشهار السلاح ..
وعلى الأمريكيين ان يستوعبوا هذه الحقيقة .. وعليهم ان يختاروا .. فلا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار ..