سوف نصدق كل يوم يمر أن “داعش” ما زال بيننا، وعلى أراضينا، ومع الوقت، هو المعادلة الثابتة التي صارت جزءا من حياتنا .. صحيح أننا قاتلناه إلى حد الهزيمة، لكنه ظل هنالك، بعيدا عن الأضواء وعن الشمس، بعدما بنى له عالما من الاحتياط الدائم الذي لا ينهزم ولا يفر. يوم نشر “داعش” خريطة “دولته” لم يصدق أحد أن بإمكانه تحقيق غايته .. قلنا يومها إنه لا ينشر من فراغ، هنالك من صمم له “الأقاليم” والتسميات ورسم له بالحبر النقي تفاصيل التفاصيل .. الفراغ لا يولد سوى الفراغ، وعالم هذا التنظيم كله احتمالات وفرضيات، ومن له تلك الطاقة لن يموت بسهولة.
كثيرون لم يسألوا السؤال الصح: أين ذهب مقاتلوه حين هزموا في ديارنا، لا بل أين هم قتلاه وجرحاه..؟ تقول أبسط المعلومات إنه اختفى، والاختفاء يعني أنه موجود ومتوفر .. ولد هذا التنظيم من أجل غاية لم تتحقق بعد، ومن هما أمه وأبوه لن يسمحا له بالانقراض .. الواقعية تقول إن الهزيمة تؤدي إلى فقدان التوازن، إلى انسحاب مقاتلين من جسمه الكبير .. وسواء ظل هؤلاء في داخله أو انسحبوا فهم مشكلة في كلتا الحالتين.
عندما أعلن في سريلانكا عن ارتكابه الجريمة المروعة، كان قصده أننا هنا، موجودون حيث نصمم، وهذا النوع من الجرائم سوف نرتكبه بين الفينة والأخرى لنقول لمن يعرف أو لا يعرف إننا لا نزال على سطح الكرة الأرضية، ونملك الإمكانية التي تسمح لنا بأن نضرب في أية بقعة.
لن يزول هذا التنظيم إذن، قرار سابق لإعلانه، ومن أجله تم تركيبه بالطريقة التي ركب بها فهو بالتالي مصان ومحفوظ في اماكن معروفة .. ولديه المال الكافي الذي يسهر على حراكه .. القضية لديه أن تبقى بذرته التي بذرها وهي فكرته موجودة ومتداولة، ولهذا يصعب القضاء عليه إذا لم يتم استئصال فكرته من جذورها، وهذا صعب ومستحيل في عالم عربي يعيش على الفرضيات، ولديه جيل سابح في الاعتقاد أنه عنوان التغيير .. عقول تم مسحها تماما من لغة المستقبل والأرقام والحسابات والتكنولوجيا والاختراعات والتقدم الإنساني.
أبسط الكلام عن “داعش” أنه دبر منذ زمن لحماية كل تخلف، ولتفتيت المنطقة على طريقته (اقرأوا برنارد لويس) .. وهو صمام الأمان لإسرائيل وبقائها .. ومن أجل أهدافها المعلنة وغير المعلنة .. لم نسمع من “أدبياته” كلمة واحدة عن إسرائيل ولا عن أميركا مثلا .. بل شاهدنا وحدة الحال بين تنظيمات إرهابية والإسرائيليين، وهؤلاء يمتون بصلة إلى الروح الداعشية وفكرتها.
قرأنا مؤخرا أن “داعش” أعلن الاستنفار في كل مكان وخصوصا بعد عملية سريلانكا .. لن نستغرب إذا ما نفذ عملية أخرى وثالثة ورابعة، إذا كان مخططه الجديد هو العودة إلى استهداف المجتمعات من الداخل فلن يتراجع، وعلينا توقع المزيد من الأعمال الإجرامية، ومن القتل، ومن التدمير والتخريب .. ولسوف ندور دائما في حلقة مفرغة عند كل عملية يقوم بها سواء في الشرق الأقصى وغيره، لعله على الأرض الليبية يقاتل أيضا.
زهير ماجد – الوطن العمانية