بقلم/ الدكتور ميثاق بيات ألضيفي
غيرت نهاية القرن العشرين بشكل جذري الوضع الاجتماعي والسياسي بأكمله في العالم وغيرت كثيرا الأوجه الإنسانية بنطاق غير مسبوق من الإرهاب العالمي وليس فقط الآثار الاقتصادية ولكن أيضًا العواقب السياسية للعولمة التي بدأت تظهر أكثر فأكثر، ولقد حان الوقت لمراجعة الصور النمطية الثابتة وفهم وادراك الحقائق الجديدة للقرن الحادي والعشرين والفرص والتهديدات التي جلبها معه للعالم، وفي خضم ذلك فإن دراسة وتحليل أهم العناصر السياسية الفاعلة وتأثيرها على العمليات التي تحدث في العالم لها أهمية خاصة مع وجود مجالات سياسية واقتصادية واجتماعية متشابكة على نحو متزايد في المجتمع الحديث وإن إحدى هذه الجهات الفاعلة هي الحركة النقابية التي يتجاوز تأثيرها منطقة واحدة وتؤثر على التوزيع العام للقوى السياسية في العالم.
ليس من قبيل الصدفة أن تشكل دراسة ظاهرة النقابات العمالية مكانة مهمة في العلوم السياسية الحديثة وهي واحدة من الأسئلة التي تثير جدلاً أيديولوجياً حادًا بين درجة وأخرى بفكر السياسيين الحاليين ورجال الدولة والأكاديميين وقادة مختلف الأحزاب السياسية، ومع انه والى ألان لا يوجد تعريف لا لبس فيه لماهية النقابات العمالية الحديثة وما هو دورها السياسي في حياة العالم الحديث لكنه لا يمكن أن يكون لأن الظروف لنشاطها مختلفة جداً ولذا فأن النقاش الدائر في حد ذاته يساعد على الاقتراب من إدراك الحقائق القائمة والتنبؤ بمزيد من التطور لظاهرة نقابية اجتماعية سياسية. ولهذا فمن المهم اليوم تحليل التغيرات الأساسية التي تحدث في الدور السياسي للنقابات العمالية وفي أيديولوجية وممارسة أنشطتها فيما يتعلق بها من خلال السلطة السياسية والأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية السياسية وعملية العثور على مكانها الجديد في ظل النظام العالمي القائم. وعلى الرغم من العدد الكبير من الأعمال المكرسة للحركة النقابية فلم يتم إيلائها سوى القليل من الاهتمام لتحليل الدور الفعلي للنقابات في الحياة السياسية للمجتمع الحديث، فلذا يستوجب إن يتم إجراء الكثير من البحث في العديد من المراكز العلمية والتحليلية التي تتعامل مع قضايا النقابات للكشف عن الجوهر السياسي للحركة النقابية الحديثة والوظائف السياسية التي تؤديها في هذه المرحلة من التنمية الاجتماعية وتحديد درجة تأثيرها السياسي على العمليات ولتحديد الاتجاهات الرئيسية لتعزيز دورها في ظروف التغييرات الأساسية التي تحدث في العالم.
النقابات العمالية الحديثة هي عبارة عن مجموعة من الجهات الفاعلة الإستراتيجية المنظمة التي تعمل نيابة عن حركة اجتماعية كبيرة ومهمة تاريخياً وإن الانتماء إلى الحركة العمالية كأحد أشكالها التنظيمية يحدد إلى حد كبير اختيار النقابات لمعايير هويتها واتجاه الأهداف وتحديد حلفائها وخصومها، وقد أدت النقابات دوراً رئيسياً في تشكيل المجتمع الحديث للديمقراطية الليبرالية وخاصة في أوروبا الغربية بمشاركة سياسية واسعة وعبر المساومة الجماعية بين القوى الاجتماعية الكبرى والحماية من المخاطر والالتزام بفكرة العمالة الشاملة كما كان لبزوغ ونشر مفهوم المواطنة الذي امتد إلى المجال الاجتماعي-الاقتصادي بسبب الجهود التي بذلتها جنبا إلى جنب مع الأنظمة السياسية وشاركتها بنشاط في تحديد الأولويات العامة لدرجة أنه كان لها تأثير مباشر على عملية صنع القرار السياسي.
إما في العالم العربي فقد كان السبب الرئيسي لانتهاك التبادل السياسي والذي أدى إلى إضعاف المواقف السياسية للنقابات العمالية هو التغير في الظروف الاجتماعية والاقتصادية للحركة النقابية نتيجة للأزمات المتزايدة في الاقتصاد وفي السياسة وإعادة توجيهها في سياسة الاقتصاد الكلي، إضافة لذلك فإن تسييس الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعلاقة المتغيرة بين الاقتصاد والسياسة في المجتمع الحديث وكذلك رغبة الديمقراطية الاجتماعية الحديثة في أن تنأى بنفسها عن ماضي عملها لتصبح حزباً عالمياً كل ذلك يسهم بشكل موضوعي في تعزيز الدور السياسي المستقل للنقابات العمالية. وقد كانت مسألة تشكيل النقابات العمالية في المنطقة العربية ثانوية إلى حد كبير، وفي معظم الحالات استُخدمت أشكال التنظيم والمواقف الأيديولوجية ووسائل التأثير على السلطة السياسية التي تم اختبارها بالفعل نظرًا لأن النقابات العمالية اضطرت في العديد من الحالات إلى العمل في أنظمة استبدادية ورأسمالية أكثر أو أقل تشددًا، والتي سعت إما إلى دمج النقابات العمالية في نظام الشركات الاستبدادية أو ببساطة لتدميرها، وقد كان لمستوى تسييس الحركة النقابية والمواقف السياسية الراديكالية إن جعلها مرتفعة ومرتبط درجة تسييسها بحقيقة أن الدولة هي الفاعل الاقتصادي الرئيسي في معظم البلدان العربية وعلى النقيض من الدول الديمقراطية المتقدمة يتعين على النقابات في دولنا أن تثبت باستمرار أهميتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للأنظمة الحاكمة من أجل بقائها كفاعلة سياسية مستقلة إلى حد ما.
وإن التحدي الأساسي الذي يواجه الحركة النقابية الحديثة هو عملية العولمة المتسارعة بشكل متدفق لأن طبيعة أنشطة شركات العولمة تتعارض إلى حد كبير مع مصالح العمل المنظم ولا يمكن أن يكون لانتشارها تأثير إيجابي معين على علاقات العمل خاصة في البلاد العربية، ولذلك تتمثل الإستراتيجية طويلة الأجل والتي تسمح لنقابات العمال باستخدام اللحظات الإيجابية بأنشطة الشركات في توحيد جهود النقابات العمالية وتفعيل أو تنشيط فعاليات المنظمات النقابية الدولية من أجل العمل بمثابة ثقل موازن للهيكل التنظيمي والأنشطة الدولية لشركات العولمة، وربما لهذا ينبغي أن تؤدي تلك الإستراتيجية في نهاية المطاف إلى تطوير هياكل عالمية تمثل مصالح العمل المنظم ولتؤدي الدور الريادي في تنفيذ مهمة المواجهة السابقة التي أصبحت إلى حد كبير لأسباب سياسية وأيديولوجية من الماضي واستعيض عنها ببحث مكثف عن أكثر أشكال التعاون فعالية بحقيقة أن أحكامه واستنتاجاته وتوصياته الأساسية تضع الأساس لتطوير الإستراتيجية والتكتيكات الحديثة في عمل النقابات والأحزاب والحركات السياسية والهيئات الحكومية في تطوير وتنفيذ القرارات التي تؤثر على مجال مصالح الحركة النقابية الحديثة في المنطقة العربية.