تتجه بريطانيا إلى الاعتماد على عملاق التكنولوجيا الصيني في تطوير شبكة الجيل الخامس للاتصالات، رغم تحذير الولايات المتحدة لحلفائها من التعامل مع هواوي التي تعتبرها واشنطن ذراعا استخباراتية للحكومة الشيوعية في الصين. ويرى محللون أن تغاضي الحكومة البريطانية عن هذا التحذير يعكس رهان لندن على الصين أكثر من حلفائها الأميركيين.
قال ديفيد ليدينغتون وزير شؤون مجلس الوزراء البريطاني الخميس إن تحقيق الحكومة في الكشف عن معلومات سرية تتعلق بشركة الاتصالات الصينية هواوي ضروري لضمان نزاهة مجلس الأمن القومي، فيما تتجه لندن للاعتماد على تقنية الجيل الخامس الصينية ضمن برنامج تطويرها لشبكة الاتصالات.
وأضاف ليدينغتون مخاطبا البرلمان “تم تحديد إطار تحقيق التسريب المتعلق بكشف معلومات عن شبكة الجيل الخامس بما يضمن الحفاظ على نزاهة مجلس الأمن القومي عموما، والأهم، ضمان قدرة المشاركين في اجتماعه على مواصلة ثقتهم الكاملة في عمله وسرية إجراءاته”.
وأقالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الأربعاء وزير الدفاع غافين ويليامسون، بعد أن أشار تحقيق إلى مسؤوليته عن تسريب مناقشات في مجلس الأمن القومي التابع لها عن شركة هواوي الصينية للاتصالات.
وقالت متحدثة باسم 10 داونينغ ستريت إن “رئيسة الحكومة طلبت هذا المساء من غافين ويليامسون مغادرة الحكومة بعد أن فقدت الثقة في قدرته على تحمل مسؤولياته كوزير دفاع وعضو في الحكومة”.
وقالت ماي في رسالة إلى ويليامسون إن التحقيقات “تقدم أدلة قاطعة تشير إلى مسؤوليتك عن الكشف غير المصرح به” لمداولات مجلس الأمن القومي في 23 أبريل، مضيفة “لم يتم تحديد أي رواية أخرى للأحداث يعتدّ بها لشرح هذا التسريب”.
ويحضر نقاشات مجلس الأمن القومي فقط الوزراء والمسؤولين الأمنيين الذين يوقّعون أولا على قانون الالتزام بالسرية الرسمي، الذي يفرض عليهم الإبقاء على سرية المحادثات أو مواجهة خطر المساءلة القانونية.
وهزت الأخبار حول نية ماي السماح لشركة هواوي بتطوير شبكات الجيل الخامس الحكومة البريطانية التي تعاني أصلا من تصدعات، لكن صحيفة الدايلي تلغراف أفادت أن ماي وافقت على منح الإذن ببناء عناصر “غير أساسية” للجيل الأحدث لشبكة الاتصالات.
وتناقش بريطانيا ودول أخرى ما إذا كانت ستستبعد شركة هواوي الصينية من التوسع في شبكات الجيل الخامس بها، وسط شكوك بأن الشركة ترتبط بعلاقات وثيقة للغاية بالحكومة الصينية، وهي ادعاءات ترفضها هواوي.
وتعارض الولايات المتحدة بشكل مطلق التعاون مع هواوي بسبب التزام الشركة بموجب القانون الصيني بمساعدة حكومتها على جمع المعلومات الاستخبارية أو تقديم خدمات أمنية أخرى عندما يطلب منها ذلك.
وبالرغم من تحذيرات وزراء بريطانيين، إضافة إلى الولايات المتحدة الحليف الأقرب إلى بريطانيا، فإن الحكومة البريطانية راهنت على طريق الحرير الجديد الذي فتحته الصين مع أوروبا أكثر من مراهنتها على الأميركيين، وذلك بتعاملها مع هواوي أكبر منتج لأجهزة الاتصالات في العالم.
وبدأت بكين مشروعا اقتصاديا مع أوروبا أطلقت عليه طريق الحرير الجديد، نجحت إلى حدّ الآن بالحصول على موافقة إيطاليا للانضمام إليه، فيما تتواصل المشاورات مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
وتعدّ المرّة الأولى تجاريا، بالمطلق، التي تستطيع فيها الصين أن تتفوق تقنيا وتجاريا في عنصر تكنولوجي محوري على الولايات المتحدة.
وفي أجواء شبّهها البعض بسباق التسلح أيام الحرب الباردة، تشعر الولايات المتحدة بالقلق من أن هيمنة الجيل الخامس ستعطي منافسا عالميا لها مثل الصين، أفضلية ليست واشنطن مستعدة لتقبّلها.
وتعدّ شركة هواوي من أكبر مزوّدي تقنية البنية التحتية للجيل الخامس للاتصالات، والتي يمكن أن تحدث نقلة هائلة في سرعة نقل البيانات وتفتح آفاقا واسعة للثورة الصناعية الرابعة.
ولم تفرض وكالات الاستخبارات البريطانية حظرا شاملا على الشركة الصينية، بينما اتخذت دول أخرى موقفا أكثر صرامة.
وجاء قرار الحكومة البريطانية قبل أيام من زيارة وزير المالية البريطاني فيليب هاموند إلى الصين حضر خلالها قمّة منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، بمشاركة العديد من رؤساء الدول والحكومات. وتبحث دول غربية حاليا ما إذا كانت ستستبعد هواوي من توسعة شبكات الجيل الخامس لديها وسط اتهامات، وخاصة في واشنطن، بأن هواوي قريبة للغاية من الحكومة في بكين. وأعربت الشركة التكنولوجية عن رفضها لهذه المزاعم. وسبق أن اتهم رن تشنغفاي مؤسس هواوي الولايات المتحدة بانتهاج منظور عدواني في تقييم التقنية.
وقال “للأسف تنظر واشنطن لتقنية الجيل الخامس بصفتها سلاحا استراتيجيا وتعتبرها نوعا من القنبلة الذرية”، مؤكدا أن هذا التقييم ليس صحيحا.
وأدخلت هواوي منافسيها في حرب أسعار مدمّرة، تكشف القدرات الاستثنائية التي تملكها، بعد أن أثبت صعودها الصاروخي في العام الماضي أنها الحصان الأسود الذي لا يمكن إيقافه.
وكانت الشركة الصينية المكبّلة بقيود أميركية قد زلزلت سوق الهواتف الذكية العام الماضي بإزاحة أبل عن المرتبة الثانية في حجم المبيعات، حين قفزت مبيعاتها بنحو 31 بالمئة رغم تراجع مبيعات الهواتف الذكية بشكل عام.
ونسبت صحيفة فايننشال تايمز إلى بيتر تشو، كبير مسؤولي التسويق في هواوي، قوله “سنبيع هواتف الجيل الخامس مقابل 600 دولار هذا العام. وفي العام المقبل، يقول بعض الناس إننا قد نرى هواتف ذكية جي 5 بسعر 300 دولار وأعتقد أن هذا ممكن للغاية”.
ومع تصاعد الجدل الأمني حيال قرار الحكومة البريطانية، قال مصدر أمني إن لندن ستحجب الأجزاء الأساسية من شبكة إنترنت الجيل الخامس عن شركة هواوي، كما ستجعل تعامل الشركة الصينية العملاقة مع الأجزاء غير الأساسية منها محدودا.
ويقول خبراء غربيون في مجال التكنولوجيا إن الجيل الخامس يعتبر تكنولوجيا ثورية ستتيح سرعات إنترنت أكبر بكثير، وستصبح حجر الأساس للعديد من الصناعات والشبكات.
وكالات