تحاول تركيا ضمّ مدينة عفرين، إحدى مدن محافظة حلب ، إلى مناطق نفوذها بعد أن بدأت ببناء جدار عازل حول المدينة والمناطق المحيطة بها أشبه بالجدار الذي بنته إسرائيل في فلسطين، وهو ما يعكس النهج التوسعي الذي تنتهجه أنقرة والمخالف لجميع القوانين الدولية. وتستثمر أنقرة حالة الفوضى التي خلفها إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تقليص عدد قوات بلاده في سوريا لإعادة خلط الأوراق ورسم جغرافيا المنطقة في المستقبل بما يخدم أجنداتها ومصالحها على حساب جيرانها.
لا تخفي تركيا سياساتها التوسعية حين مقاربتها للأوضاع في سوريا، ومقاربتها للملفّ السوري، وتقديمها تصوراتها واقتراحاتها لما يفترض أن يكون عليه الوضع في المستقبل. ويبدو واضحا أنها تسعى لفرض نفوذها على عدد من المناطق السورية الحدودية، وتتحكّم في بعضها بطريقة مباشرة، وفي البعض الآخر بطريقة غير مباشرة عبر وكلاء محلّيين تابعين لها، وتهدّد باجتياح مناطق شرق الفرات التي تقع تحت سيطرة الانفصاليين الاكراد المدعومون امريكياً.
تحاول تركيا تبرير احتلالها بمزاعم عن وثائق تاريخية، حيث يقول المؤرخ والكاتب التركي أنس دمير، في كتابه “أرضي الميثاق الوطني التي لا يمكن التنازل عنها في ضوء الوثائق الجديدة” إن تركيا لم تخسر منطقة عفرين خلال الحرب العالمية الأولى.
ويشير إلى أن الدولة العثمانية كانت تملك وحدات عسكرية تابعة لها على خط “عفرين-تل رفعت-إعزاز”، بعد التوقيع على هدنة موندروس (اتفاقية وُقعت في 30 أكتوبر 1918)، التي أنهت العمليات القتالية بين الدولة العثمانية والحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى.
في منطقة عفرين، التي احتلتها تركيا في مارس 2018، بعد شنّها عملية عسكرية أطلقت عليها اسم غصن الزيتون، وتمكنها من السيطرة عليها بعد قرابة شهرين من بدء عمليتها، جلبت تركيا مجموعات إسلامية متشددة موالية لها من ريف دمشق، ومناطق أخرى من سوريا، إلى عفرين وقامت بتوطينها فيها في مسعى منها لإجراء تغيير ديموغرافي هناك .
وأثار بناء تركيا للجدار العازل استياء محليا ودوليا، كما أثار مخاوف من أطماع بعيدة بجعل عفرين تحت السيطرة المباشرة بعد إفراغها من أهلها، وتوطين متشددين فيها، واستغلال ثرواتها ومقدراتها لدعم الاقتصاد التركي الذي يعاني تحت وطأة الأزمات التي تغرقه منذ أكثر من عام.
وينتاب أهالي عفرين قلق ومخاوف من استكمال بناء جدار عازل في الجهة الجنوبية – الشرقية للمنطقة وفصلها عن شمال حلب، والذي بُنيت أجزاء منه في قرى كيمار ومريمين وجلبر حول مقرّاتٍ عسكرية، حيث خرج الأحد 21 أبريل المئات منهم في تظاهرة أمام المقرّ الروسي قرب قرية كشتعار، على الطريق الدولي المؤدي إلى إعزار، رافعين صور الشهداء ومنددين بالاحتلال التركي وبناء الجدار العازل.
وذكر صحافي وإعلامي مستقلّ من مدينة عفرين -طلب عدم الكشف عن هويته خشية انتقام السلطات التركية المحتلة للمدينة منه ومن أهله، لاسيما أنه ما زال مقيما هناك- أن الأتراك يريدون محاصرة عفرين وإغلاقها بحجة منع المقاتلين الأكراد من الدخول إلى محيط المنطقة، وخشية القيام بأعمال انتحارية أو هجمات قد تستهدف الجماعة المتشددة المتحالفة مع تركيا.
ولفت إلى أن هناك احتمال أن يُعتبر بناء هذا الجدار إشارة خطيرة ترمز إلى تقسيم سوريا، أو تنذر بالبدء بتقسيمها إلى مناطق سيطرة احتلال تركي فعلية، وأن الغاية هي فصل عفرين عن سوريا، وليس حماية الحدود التركية كما تزعم السلطة التركية.
واستغرب الإعلامي المستقلّ الصمت الدولي على الجرائم التركية، قائلا “في ظل غياب أي تحرّك دولي، يخشى أبناء عفرين هذا الصمت المطبق دوليا، وكأن هناك ضوءا أخضر لتركيا من أجل القيام بخطواتها العنصرية التمييزية في منطقة عفرين”.
ويتّهم أبناء عفرين الجماعات الإسلامية المتشددة الموالية لتركيا بممارسة شتى أنواع الجرائم برعاية تركية، من الاختطاف والاعتقالات، وفرض فدى وأتاوات وغرامات مالية، بالإضافة إلى الابتزاز والتهديدات القاسية التي يتعرض لها الضحايا من أبناء المنطقة الرافضين للاحتلال التركي.
كما يتّهمون الاحتلال التركي باستنزاف المنطقة عبر غضّ النظر عن قطع أشجار الزيتون التي يعتمدون عليها بنسبة كبيرة في اقتصادهم، تلك الأشجار التي تشكّل ثروة زراعية مهمّة للمنطقة، وتكون مصدراً لأفضل أنواع زيت الزيتون الذي تستغلّه شركات تركية لتعزيز تجارتها وتوسيعها.
نشر حزب الاتحاد الديمقراطي ذات النفوذ في شمال وشرق سوريا بيانا في 28 أبريل الماضي، أكد فيه أن “الدولة التركية بدأت مؤخرا ببناء جدار الضم لفصل عفرين عن الأرض السورية نهاراً جهاراً خارقة كل الأعراف والقوانين الدولية بما فيها قوانين الاحتلال، أمام أنظار العالم .
وقال الحزب في بيانه إن الدولة التركية أصبحت عائقا في طريق الحل السياسي السوري منذ أن بدأت الجهود الدولية في سبيل الحل.
وعندما انكسرت شوكة إرهاب داعش في سوريا اضطرت أنقرة ذاتها إلى التدخل المباشر واحتلت شمال سوريا ثم انتقلت إلى عفرين بعد أن استطاعت تحقيق أقذر المقايضات وتوافق دولي قل نظيره مستفيدة من ترسانة الحلف الأطلسي وتقنياته، واحتضنت جميع الفصائل الإرهابية في مناطق احتلالها وفي إدلب.
وأصبحت الكفيل المباشر لكل الفصائل الإرهابية لاستخدامها وسيلة لابتزاز جميع الأطراف المعنية بالقضية السورية، بل تهدد الأطراف الساعية إلى الحل تارة بموجات اللاجئين وتارة بإرسال الفصائل الإرهابية.
ولفت الحزب إلى أن “الدولة التركية بزعامة (رجب طيب) أردوغان باتت تشكل خطرا على كل الشرق الأوسط، بل وعلى العالم أجمع من خلال رعاية المنظمات الجهادية الإسلاموية واستخدامها في كافة أنحاء العالم. مما يوجب على كافة دول العالم والأطراف المعنية بالسلم العالمي أن تقول كفى وتضع حداً لهذه العربدة التركية”.
وتركيا التي تعدّ إحدى الدول الضامنة لخفض التصعيد ووقف إطلاق النار في سوريا، متّهمة بأنها لا تلتزم بتعهّداتها الدولية، بل إنها حسب عدد من المراقبين تتعامل كقوة احتلال في المناطق السورية التي تسيطر عليها، ولا تلتزم بما أقرّ في سلسلة اجتماعات أستانا الأخيرة من “ضرورة تهيئة الظروف المناسبة لعودة آمنة وطوعية للاجئين السوريين”، بل على العكس من ذلك، تعمل الحكومة التركية على بثّ المزيد من الشقاق بين السوريين.
ويتّهمها حزب الاتحاد الديمقراطي بأنها “ترعى الإرهابيين بشكل مباشر في مناطق نفوذها (إدلب وعفرين، إعزار إلى جرابلس شمالا) وتُماطل في مكافحة أشدهم تطرفا، بل ويرتكب جيشها والميليشيات المسلحة الموالية لها انتهاكات وجرائم منظمة، خصوصا في منطقة عفرين، إلى جانب منع عودة أهاليها المُهجرين، أي أن أنقرة تُؤزّم الظروف بدلا عن تهيئتها”.
سنمار سورية الاخباري – وكالات