لا الكثير من الدمع يكفي، ولا الغضب المزمجر، في لحظة “إعدام” الجوع لطفلة سوف نجد مثيلا لها من أطفال اليمن أيضا.
هذا العالم المتوحش الذي يرى ويسمع أنين شعب بكامله، بملايينه، أتعبه الجوع والمرض، سيظل قليل الوفاء لقيمه التي كتب فيها مثقفوه الكبار ذات يوم من أيام التصالح مع الإنسانية. فأين هم مثقفو فرنسا؟ ألم يكتب ألبير كامو عن المقصلة والحوار بواسطة الساطور والحبل وعن الغريب في هذا العالم..؟ وأين مثقفو بريطانيا الذين من أجل تأخره خمس دقائق عن الموعد قرر أحد الوزراء البريطانيين الاستقالة محدثا دويا؟ بل أين هم الألمان الذين أكثر من دفع ثمن النازية والقتل البريء الذي ارتكبته؟ وأين الأميركيون الذين أفرغوا في رؤوسنا كلاما جميلا عن تمسكهم بحقوق الإنسان ورعايته في أي مكان..؟
يموت أطفال اليمن، تموت أمل حسين بعدما أنهكها قلة الطعام والغذاء .. هو الصمت المريب الذي بات غير مفهوم سوى مهادنة الأميركي الذي وحده يملك قرار الموت والحياة لمن يستحق برأيه، يتدخل عندما تلزمه مصالحه، ويأنف التدخل عندما لا يرى هنالك مصلحة له.
يأكل الأطفال اليمنيون من طعام في الزبالة هي في الأصل زبالة .. إن حصلوا على كسرة خبز، فذلك نصر ومكسب، أما بقية الطعام فليس له مكان .. يسأل الصغار عن رغيفهم المفقود، ويسأل الشباب عن مستقبلهم الضائع، ويسأل الكبار عن المكان الذي سيأوون إليه بعدما تهدمت بيوتهم.
كارثة يمنية لم يسبق أن حلت بشعب في هذا القرن وما قبله وربما خلال مسيرة الإنسانية .. ماتت الطفلة اليمنية أمل حسين، أمام عيوننا، وعيون العالم البربري الذي بات يستمتع بهكذا طفولة معذبة. لم يعد مهما بالنسبة إليه سوى أن يعيش أطفاله، أن تكون لهم موائدهم النظيفة، وثيابهم النظيفة، وأحلامهم التي تتحقق.. تعذبنا الطفولة في اليمن، تبرد أرواحنا كلما ذهبت الكاميرا إلى هناك لترينا الفواجع في المستشفيات، أو في البيوت، وعلى الطرقات، وفي أمكنة الزبالة، وحيث لا مدارس، أو بقاياها .. إنه عالم بات منسيا، واليمن في التاريخ دائما الأسعد بين الشعوب كما تعلمنا وعرفنا وصار شائعا.
المؤامرة على العرب أجمع، لكن أطفال العرب هم المستهدفون بالدرجة الأولى، كونهم الخميرة التي تكبر لتطرح أسئلة العيش والحياة الكريمة ولماذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه، ومن قتل أخي وأبي وأمي وابن عمي وقريبي؟ من قتل مناخي الذي كنت أعيشه وكان وقتي مهندس اليوميات..؟ لماذا تربيت يتيما؟ ولماذا هدموا بيتنا..؟ أسئلة الوجع هذه لا يراد لها أن ترافق الأطفال، ولهذا يجب إبادتهم، قتلا أو جوعا أو مرضا.
ردد الأمين العام للأمم المتحدة جوتيريتش مرات أن هنالك 14 مليون يمني مهدد بالجوع والمرض، لكن السامعين مشغولون بالبحث عن مصالح ذاتية.
زهير ماجد – الوطن العمانية
Discussion about this post