فشلت القمة الأميركية الكورية الشمالية الثانية التي عقدت يوم الخميس الماضي في العاصمة الفيتنامية هانوي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الكوري الشمالي كيم جونج أون، حيث انتهت دون التوصل إلى اتفاق بعدما رفضت واشنطن مطالب بيونج يانج برفع العقوبات، ورفضت كوريا التخلي عن برنامجها النووي، وهي نفس نتيجة القمة الأولى التي عقدت في سنغافورة العام الماضي.
على المستوى السياسي الرسمي الذي يهم البلدين، لم تكن هناك نتائج تذكر أو تحقق تقدما ملموسا في عملية التفاوض، فكل طرف تمسك بما في حوزته، أميركا تتمسك بالعقوبات لإثناء بيونج يانج عن التراجع عن برنامجها النووي، بينما يقبض كيم جونج على ترسانته النووية دون أي تنازل حتى يحقق كل المكاسب.
عقب اللقاء قال ترامب في مؤتمر صحفي إن كيم كان مستعدا لتفكيك مجمع يونجبيون النووي لكنه أراد في المقابل رفع “كافة العقوبات”، وهو أمر لم تكن الولايات المتحدة مستعدة له ـ بحسب هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي ـ مضيفا أن كل ما يعني أميركا ـ فقط ـ التخلص من النووي.
وبينما اهتم كيم بالمغادرة، تحدث ترامب للصحفيين بحزن يحدوه الأمل قائلا إن كوريا الشمالية يمكن أن تصبح “قوة اقتصادية” إذا سارت المحادثات بشكل جيد، وكان لدى الوفد الأميركي بعض الخيارات في جعبته، وفضلوا عدم الإقدام عليها؛ لكن رغم ذلك المحادثات تركت الأمتين “في وضع يدعو إلى التفاؤل” مستقبلا ـ بحسب الوكالات.
من جهة أخرى فإن اللقاء يعد ناجحا على مستوى التقارب بين زعيمين، فمنذ نجاح ترامب في انتخابات الرئاسية نهاية 2016 تعالت حدة تراشق الاتهامات بينهما، حتى وصف كيم الرئيس ترامب بأنه “الخَرِف المختل”، فيما أسماه ترامب “رجل الصواريخ الصغير”، حتى بدأت الأمور تهدأ نوعا في لقائهما العام الماضي في سنغافورة، لتبدأ مرحلة الهدوء والانسجام النسبي، ويلتقيان ثانية في فيتنام، ويقفان معا قبل المحادثات الرسمية وكأنهما صديقان، وعزز ترامب من هذه الصورة عندما قال إنه يكن “احتراما كبيرا” للسيد كيم، لأنه “شاب جيد وشخصية جيدة”، وأن علاقتهما “قوية جدا” ـ بحسب وكالات الأنباء ـ وأن لقاء سنغافورة كان للتعارف.
كيم كان حديثه مركزا ولم يتطرق لصفات ترامب الشخصية، رغم أنه بدا مبتسما في سنغافورة وفيتنام، لكن حديثه دائما كان منصبا حول تركيزه على بناء اقتصاد بلاده، وجذب الاستثمارات، وتخفيف العقوبات المفروضة عليه.
وفي الوقت الذي وصف فيه محللون في وسال الإعلام العالمية اللقاء بأنه انتصار ثانٍ للزعيم الكوري، وصفوا فشل قمة هانوي بأنها انتكاسة لترامب، وسخروا منه لأنه يرى نفسه “مُبرِم الصفقات”، ودخل اللقاءين وهو محمل بخبرات رجل الأعمال التفاوضية.
ثمة نجاح حققه كيم جونج أون على المستوى التفاوضي والدبلوماسي والسياسي، يقابله فشل بعد إخفاق دونالد ترامب في الوصول لصيغة توافقية تعكس تدرج العقوبات والمزايا التي ستمنحها بلاده لكوريا الشمالية؛ لكن نجاح اللقاء على المستوى الشخصي وفشله سياسيا مفاده أن القوة هي من تحدد تجاه المقاعد، يعزز من ذلك تمسك كيم بعدم نزع سلاح بلاده النووي أو تدمير مجمع يونجبيون المثير للجدل، وبالتبعية يرفض دخول أي لجان دولية لتفتيش بلاده، وأيضا تخلي ترامب عن نزعة “الكبر” في أحاديثه، وبدا لطيفا في التقرب من زعيم كوريا الشمالية، وحاول إثارة فضول العالم بالمنح والمزايا الاقتصادية التي ستمنحها واشنطن لبيونج يانج لو تنازلت عن برنامجها النووي.
ربما يعتبر كيم بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها والدول التي تسير خلفها ضمن قادة الشر؛ لكنه استطاع وضع نفسه بين كبار العالم، وتعلم فك شفرة المجتمع الدولي الذي يقف دائما مع الأقوى، فرغم تعنته مع ترامب، وتعرض كوريا الشمالية لعقوبات أميركية؛ إلا أن بلاده ما زالت تضع نفسها بين الكبار.
Discussion about this post