وكالات
هل بدأ رفاق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السابقون في حزبه العدالة والتنمية بالتكاتف لتحجيم نفوذه تمهيداً لإقصائه عن سدّة الرئاسة؟ هل ينتقمون لأنفسهم من تنكيل أردوغان بهم وإقصائه لهم من مناصبهم تباعاً من دون أي اعتبار لتاريخهم ومكانتهم؟ هل نشهد صراعاً للإسلاميين فيما بينهم للحفاظ على الحكم بتركيا؟
استخفّ الرئيس أردوغان برفاق الأمس، أبعدهم، ولم يسمح لهم بالمشاركة في القرار، انفرد بشكل استبدادي برسم ملامح تركيا الإسلامية الأردوغانية بحسب رغبته ورؤيته، واستهان بقدرتهم على المناورة والحضور والمنافسة، وقام بتصدير أتباعه، كصهره بيرات البيرق الذي وضعه وزيراً للخزانة والمالية، على حساب شخصيات ذات باع طويل في الاقتصاد والسياسة، وذلك من منطلق الولاء لا الكفاءة.
وحيث تُرك الاقتصاد لقصر أردوغان، وللبيرق ليلهو به كيفما يشاء، يؤكّد المتنطعون لتأسيس أحزاب جديدة خارجة من رحم العدالة والتنمية، وساعية إلى منافسته، أنه يجب أن تُعهد إدارة هذا المجال، الذي يُعد واحدًا من أهم ركائز مستقبل البلاد، إلى أسماء مؤهلة تأخذ إدارة هذا المجال والبلاد على محمل الجد، ومن هذه الأسماء عبد الله غول وعلي باباجان وهما من الأسماء المعروفة والمعتبرة في أسواق رأس المال الغربية التي تعلق تركيا عليها آمالها في قدوم رؤوس الأموال، ناهيك أن من المهم أن يجد الناخبون الذين سيفرون من حزب العدالة والتنمية، في هذه الفترة التي بدأ فيها الانهيار، ملاذاً آمناً لدى الخارجين من حضنه، المنقلبين عليه المتفهّمين لديناميات الاقتصاد وحركة المجتمع ومخاوف أعضاء الحزب أنفسهم.
ويواجه الاقتصاد التركي صعوبات كثيرة منذ أن تولى بيرات البيرق، مهام منصب وزير المالية والخزانة في أعقاب انتخابات يونيو 2018، التي تم فيها انتخاب أردوغان كأول رئيس تنفيذي لتركيا، وحاول أردوغان تحميل جناية الانهيار الاقتصادي لمحافظ البنك المركزي مراد جتين كايا، وقام بإقالته من منصبه يوم السبت، ليوحي أنّه كان السبب وراء الانهيارات التي أصابت الاقتصاد في مقتل، وليبعد صهره عن شبهة التسبّب بالكارثة الاقتصادية، باعتباره وزيراً للخزانة والمالية، ومتناسياً ومتجاهلاً وعود البيرق البراقة التي لم تقنع المستثمرين ولم تفلح بتهدئة مخاوف الأسواق.
أثبت أردوغان أنّه مستعدّ للتضحية بأيّ مسؤول لا يذعن لأوامره البعيدة عن منطق الاقتصاد وحركة السوق، وقام بتعيين محافظ جديد سيتردد كثيراً بمعارضته، وبخاصة فيما يتعلق بخفض أسعار الفائدة التي تشكّل مصدر قلق متجدد لأردوغان الذي يصف نفسه بأنّه عدوّ أسعار الفائدة.
أعلن أصدقاء أردوغان السابقون حرباً مفتوحة عليه بعد أن وجدوا أنّه بات يشكّل عبئاً على تركيا، وخطراً على المجتمع التركي، وعلى الاقتصاد الذي يحاول إدارته بنظرياته الغريبة البعيدة عن منطق السوق والاقتصاد والفكر، والتي تبدو مثيرة للسخرية لدى الاقتصاديين العلميين الذين يؤكدون أن الأرقام لا تحابي أحداً، وأنّ الرغبة لا تدير اقتصاداً ناجحاً، بل تفتك به وتهيّئ لتدميره، كما يجري الآن في الاقتصاد التركي الذي يقع ضحية سياسات أردوغان الغريبة.
ويردّ قياديّون سابقون في العدالة والتنمية الصفعة لأردوغان الذي استفرد بالحكم بتركيا، وتعامل كزعيم أوحد لا يمكن لأحد أن يعارضه، قام بتهميش مؤسسات الدولة التركية، كما همّش مؤسّسات حزبه لصالح تعزيز نفوذه وهيمنته المطلقة لتأسيس نظام استبدادي بعد تمرير التعديلات الدستورية في استفتاء على النظام الرئاسي سنة 2017.
سيدعم رفاق أردوغان السابقون النظام البرلماني
عاقب الناخبون أردوغان وحزبه في انتخابات بلدية إسطنبول، ووجّهوا صفعة مُذلّة له، وأكّدوا أنّه لا يمكن تدجينهم وسحق أحلامهم والتنكيل بهم، من دون أن يكون لذلك حساب، وقاموا بدعم مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، في مسعى لتصحيح مسار العملية الانتخابية، وتخفيف جموح أردوغان وحزبه وشراهتهما المفتوحة للسيطرة على مختلف مناحي الحياة في البلاد.
وسيدعم رفاق أردوغان السابقون النظام البرلماني السابق، سيكونون في موقع معارض لأردوغان، الذي حول نظام الحكم في البلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، سيحاولون التأكيد على أنهم يسعون لبناء دولة المؤسسات من جديد لا دولة الفرد المستبد، والعائلة المتنفذّة التابعة له، على طريقة أردوغان، بحسب ما يشير مراقبون للشؤون التركية.
وكان أردوغان قد مضى في هيكلة الدولة والحزب على مقاس طموحه وسيطرته، أقصى مَن يمكن أن يشكّلوا أيّ منافسة له، ولاسيما من الأعضاء المؤسسين في حزب العدالة والتنمية، كالرئيس السابق عبدالله غول، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو، وعلي باباجان، وغيرهم من القيادات ذات الأسماء الوازنة في المشهد السياسي التركي، وقام بتقريب أسماء جديدة، تمتاز بولائها المطلق له، وعدم قدرتها على مناقشته بأيّ أمر، بل تجميل قراراته له، وتضخيمها حتّى ولو كانت خاطئة، أو مغالطة، أو تناقض الواقع.
ويحاول القادة السابقون في حزب العدالة والتنمية استغلال مشاعر الاستياء المتنامية ضدّ سياسات الرئيس أردوغان الاستبدادية، ويثيرون القلق لديه من خلال استقطاب قاعدته الانتخابية، وحاضنته الاجتماعية والشعبية، ودفعها للانقلاب عليه، ولاسيما بعد فشله في تحسين الأوضاع الاقتصادية أو تهدئة المخاوف من الانحدار إلى كارثة أكبر.
وشكّلت الأوضاع الاقتصادية المتردّية عتبة لبدء التصدّع في تحالف الإسلاميين في العدالة والتنمية، والتمهيد لتفكيك المنظومة التي تتّخذ الإسلام قناعاً لها، وضرورة التحلي بالجرأة لمواجهة الواقع بعيداً عن أيّة أوهام، وبخاصة أنّه تمّ تحجيم تركيا وتقليم أظافرها وتدخلاتها في عدد من الملفات في المنطقة، من خلال تحجيم نفوذ الإسلاميين الموالين لها، سواء في مصر أو السودان أو سوريا أو ليبيا، ناهيك عن التوترات التي يبقي البلاد في أتونها، كالتوتّر المتفاقم مع الولايات المتّحدة، ومع الحلفاء في الناتو، ومع اليونان، والعراق، وسوريا، من دون أن يحقق نجاحات تذكر سوى الضجيج الإعلامي المفتعل.
ويلفت محللون أتراك إلى أن معظم الأسماء المنافسة لأردوغان يؤيدون استمرار تركيا في مسيرة الغرب، وهم أناس يعتقدون أنهم سيتمكنون من خدمة مواطنيهم عندما تُحاط الدولة بسياج القانون. ويصفون الوضع الذي وصلت إليه تركيا اليوم بأنه فاشية مظلمة، حيث ينهار البلد اقتصاديًا وقانونيًا وقيميًا.