معاداة الشعوب الأخرى، كان ركنا أساسيا في نشأة القومية التركية على يد حركة الاتحاد والترقي، لكنها أخفت تلك العداوة في الوقت الذي كان أعضاؤها في صف معارضة السلطان المستبد عبد الحميد الثاني، ثم نقلتها إلى الأتراك جيلا بعد جيل.
عام 1909، تمت الإطاحة بعبد الحميد، وانفرد القوميون الأتراك من أعضاء جمعية الاتحاد والترقي بالحكم. منذ تلك اللحظة كشفت القومية التركية عن قناعها، وعن عدائها واحتقارها للشعوب المكونة للسلطنة من غير الترك.
نال العرب نصيبا كبيرا من الحقد التركي، لأنهم كانوا العرق الأكبر عددا، والأعرق حضارة، وتاريخا. الأتراك قرروا إحكام القبضة على الولايات العربية، وتصفية النخب والقوميين العرب، وفي الوقت نفسه شنوا حملات دعائية ضد العرب، والإسلام.
جريدة طنين كانت واحدة من أشهر الأبواق الإعلامية التركية، التي هاجمت العرب شعبا، وتاريخا. الجريدة حرضت الحكومة على إبادة الشعب العربي في اليمن، وفي الشام.
حقد تركي
جريدة طنين تأسست بعد الانقلاب على السلطان عبد الحميد عام 1908، ضمن موجة
الانفراجة التي شهدتها البلاد. حيث قام حسين جاهد، عضو جمعية الاتحاد
والترقي، بتأسيسها بدعم مالي من والي حلب الاتحادي حسين كاظم بك. كانت
بمثابة بوق الاتحاديين، ولسانهم السليط ضد كل من اعترض على سياسات الحزب،
الذي قبض على السلطة.
الجريدة تعرضت إلى التخريب على يد أنصار السلطان عبد الحميد، في المحاولة الانقلابية التي أخفقت، بتاريخ 31 مارس عام 1909. وعلى إثر الحادث تعطل صدورها لفترة، ثم عاودت الصدور، تحت اسم “سنين”، إلا أن اسم “طنين” ظل الاسم المتداول في الكتابات العربية عنها.
كانت يومية الصدور. ولم تكن رسمية بشكل تام، لكنها كانت لسان حال الاتحاديين، ولسان حال المتعصبين الأتراك. الجريدة روجت أفكار الطورانية (التركية المتعصبة)، وتفوق العنصر التركي، وهاجمت العناصر الأخرى.
الجريدة كانت أحد أسباب الشقاق بين الأتراك والعناصر الأوروبية في السلطنة (اليونانيين، والبلغار، والألبان). بالمثل هاجمت الجريدة العرب، ووصفهم بالمخادعين. الجريدة نشرت مقالات حقرت من شأن العرب.
المقالات كشفت عن نية الغدر الاتحادية تجاه العرب، وهو ما تحقق بعد عام 1913، الذي شهد انفراد الاتحاديين بالسلطة، بعد القضاء التام على حزب الحرية والائتلاف، وسيطرة أنور باشا، أحد رؤساء الاتحاديين، على وزارة الحربية.
الجريدة تناولت الشأن العربي، خصوصا قضية الوجود العثماني في اليمن، وثورة شعبها ضده، وكشفت صراحة عن مبادئ الحاكم الجدد في إسطنبول، وهي الإيمان بتفوق العرق التركي، وأحقيته في الانفراد بالحكم، حيث جاء في أحد المقالات ما يلي: “كانت الأمة التركية وستظل الحاكمة في السلطنة العثمانية، فالأتراك يتمتعون بحقوق وامتيازات سامية بصفتهم فاتحين، فلا مجال إذا للاعتراف بحقوق مساوية للعناصر العرقية الأخرى”.
اقتلوا العرب
مقالات إسماعيل حقي بك، طعنت في شعب العراق، وطلب تجريد الكتائب لتأديب
أهلها. وكان العراق قد شهد حركات اجتماعية كبيرة، تطالب بالإصلاح. بجانب
المعارضة الشعبية لقرار الاتحاديين منح امتياز الملاحة النهرية في نهري
دجلة والفرات إلى شركة لنج البريطانية.
حملات التأديب كان المقصود بها سفك الدم العربي، وإرهاب الولايات العربية، لتخضع لرغبة الاتراك. وهي الدعوة الدموية التي كررتها الجريدة تجاه ولاية سوريا، حين طالب الصحفي أحمد شريف بصب “دش بارد” على رؤوس أهل سورية.
شريف واصل حملة العداء، وهاجم هذه المرة اللغة العربية، وقال: “لا يزال العرب يلهجون بلغتهم وهم يجهلون التركية جهلا تاما، كأنهم ليسوا تحت حكم العثمانيين، فمن واجبات الباب العالي (السلطان والصدر الأعظم) أن ينسيهم لغتهم، ويجبرهم على تعلم لغة الأمة التي تحكمهم فإذا أهمل هذا الواجب كان كمن يسعى إلى حتفه، لأن العرب إذا لم ينسوا لغتهم وتاريخهم وعاداتهم فإنهم سيعملون عاجلا على استرجاع مجدهم الضائع، وتشييد دولة عربية جديدة على أنقاض الترك”.
الأذى التركي نال أهل ليبيا. ونشرت طنين مقالا لها عام 1908 قالت فيه
:”إن ولاية طرابلس الغرب لا تفيد الدولة فائدة مالية يعتد بها، فيجب على
الحكومة العثمانية الاقتصاد في الإنفاق عليها، بسبب عدم اندماج أهلها لليوم
في سلك الجندية”.
الجريدة هاجمت السيد محمد السنوسي، زعيم شرق ليبيا، والطائفة السنوسية، التي تولت الجهاد ضد المحتل الإيطالي.
قضية اليمن
الدولة العثمانية شنت حملة عسكرية لاحتلال اليمن عام 1872، عرفت باسم
الاحتلال الثاني لليمن، وقد سبقه احتلال دام لمدة قرن بين عامي (1539،
و1634)، لكن الشعب اليمني لم يستسلم للعثماني، وتصدى له منذ اليوم الأول
للاحتلال، وكبده خسائر فادحة.
النواب العرب في مجلس المبعوثان (النواب) العثماني، قدموا مشروع قانون يتضمن إصلاحات واسعة في اليمن، بهدف التوصل إلى سلام يوقف حمام الدم العثماني-العربي. عارض الأتراك المشروع، وأصروا على قمع الشعب اليمني، وأرسلوا حملة عسكرية كبيرة، بقيادة الفريق عزت باشا، وسبق ذلك تعيين الوالي الاتحادي محمد علي باشا علي البلاد.
بالتوازي مع الحملات العسكرية القمعية شنت الصحف التركية حملة مركزة على العرب العامة، وعلى اليمن بشكل خاص. جريدة “طنين” كانت سباقة في هذه الحملة، واقترحت مشروعا استعماريا، يستهدف نهب ثروات البلاد، واستعباد سكانه.
“لا وسيلة لإصلاح اليمن غير اتباع الأسلوب الاستعماري الإنجليزي، إنه لعار على العثمانيين أن يكونوا أقصر باعا وأقل نجاحا. إن ثلث فيلق، تام الأهبة، مدربا تدريبا حسنا، إذا اقترن إليه انتداب المأمورين الإداريين الأكفاء، كان كافيا لتنفيذ الإصلاحات الموافقة لحالة البلاد”، كتبت طنين.
أحمد جودت صاحب جريدة “إقدام” شقيقه طنين في العنصرية، كتب مقالا هاجم فيه العرب، ونشره في طنين، بعد توقف صدور جريدته، اتهمهم فيه بإهانة الأمة التركية، وطالب الشباب التركي بالحذر من العرب.
معاداة مصر
مصر كانت قد فتحت أبوابها لمعارضي السلطان المستبد عبد الحميد الثاني، من
القوميين العرب، والأحرار العثمانيين، وكان مقرا للصحف المعارضة له.
بعد الإطاحة بالمستبد استبشرت النخبة المصرية خيرا بإعلان الدستور العثماني عام 1908، وأقامت الاحتفالات بذلك، وكان هناك أمل كبير بإصلاح حالة السلطنة، وهو ما كان سيعود بالأثر الطيب على موقف الحركة الوطنية المصرية، التي تكافح لاستقلال البلاد عن بريطانيا.
آمال النخبة المصرية تحطمت سريعا، فقد مالأت جميعة الاتحاد والترقي المحتل البريطاني. الاتحاديون تزلفوا إلى بريطانيا، بمهاجمة الحركة الوطنية المصرية، وطالبوها بالقبول بالاحتلال.
جريدة طنين كانت البوق الاتحادي، الذي قاد حملة الخنوع العثمانية لبريطانيا. الجريدة هاجمت خروج محمل الحج المصري إلى مكة، وطالب بإيقاف هذه العادة، التي وصفتها بالرجعية.
كان لجريدة طنين ومثيلاتها دورا في تأجيج الخلاف التركي العربي، الذي وصل إلى حد القطيعة عام 1915، بعد موجة الإعدامات التي نفذها جمال باشا السفاح، والي الشام، وقائد الجيش الرابع، بحق القوميين العرب. حتى جاءت الثورة العربية الكبرى عام 1916، ثم هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى عام 1918، وتم طرد الأتراك من البلاد العربية، أنهى الاحتكاك التركي العربي.
المصادر :
1 – بحث منشور بعنوان “الطباعة والصحافة التركية العثمانية”، حقي العظم، مجلة المقتبس – العدد 66 2 – توفيق علي برو: العرب والترك في العهد الدستوري العثماني (1908-1914)