من البديهي الاستنتاج بأنه حين تحقق سورية انتصاراً هي وحلفاؤها على الأعداء فإن كل طرف منهم سيدفع ثمن هزيمته وفي مقدمة هؤلاء إسرائيل التي تدرك أن انتصار سورية سيكلفها ثمناً باهظاً على المستوى الثنائي والإقليمي، فقد بدأ بعض المحللين الإسرائيليين يتحدث عن استحالة أن تستمر إسرائيل بسياستها في الجولان ولن يكون بمقدورها بعد انتصار سورية الاستمرار في ضمه، بل سيجبرها الوضع السوري الإقليمي الجديد على الانسحاب منه، ولهذا السبب يحاول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تكثيف محاولاته للحصول على اعتراف الكونغرس الأميركي بضم الجولان بعد أن وجد تردداً وعدم موافقة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وسواء نجح نتنياهو أم فشل في دفع الكونغرس فإن أي قرار للكونغرس لن يلزم الرئيس الأميركي وحتى إذا خضع ترامب لقرار كهذا فإنه سيكون مجرد تصريح إعلامي يريد نتنياهو استخدامه في حملته الانتخابية التي يواجه حزب الليكود صعوبة في ضمان نجاحها في فوز الحزب بأغلبية تتيح لنتنياهو الاستمرار بالحكم.
وإذا كان انتصار سورية قد تسبب بكل هذا القلق الإسرائيلي للقيادة السياسية وثمنه الباهظ الذي ستدفعه في الجولان فإن القيادة العسكرية الإسرائيلية تتملكها مخاوف كبيرة من التغيير الذي فرضه انتصار سورية على ميزان القوى بينها وبين سورية وحلفائها في المنطقة وما يولده تزايد قدرات سورية العسكرية من نتائج إستراتيجية تهدد إسرائيل ومستقبل وجودها.
فقد كشفت المجلة الإلكترونية «جويش نيوز سينديكيت» في 24 شباط الجاري أن رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد أفيف كوخافي، قرر عقد ندوة أبحاث عسكرية لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع الأول من شهر آذار المقبل للإجابة عن سؤال: «كيف يمكن لإسرائيل أن تحقق نصراً حاسماً قاطعاً في أي حرب مقبلة»؟
إن طرح موضوع كهذا ينطوي على الإقرار بأن إسرائيل لم تستطع في كل حروبها وأشكال عدوانها تحقيق نتائج حاسمة تتيح لها «الأمن الشامل»، ولاشك أن القادة العسكريين يلاحظون جيداً أن ما يطلقون عليها «جبهة الشمال» أصبحت أكثر مناعة وقدرة على الردع، لأن إسرائيل عجزت عن منع سورية وحلفائها من زيادة قدراتهم العسكرية والصاروخية والدفاعية وكل تزايد في هذه القدرة يشكل تعاظماً في قدرة الردع وعجزاً إسرائيلياً عن إيقاف هذه القدرات.
ويبدو أن كوخافي، يعزو أهمية خاصة لهذه الندوة لأنه سيدعو فريقاً عسكرياً من أسلحة الجيش كافة للمشاركة فيها وطرح المشاكل والمعوقات ووضع الحلول والاجتهادات بموجب التغيير الذي طرأ على ميزان القوى الإقليمي.
وتضيف المجلة: إن النتائج والتوصيات والخطط التي ستخلص إلى وضعها القيادة العسكرية سيجري عرضها في تموز المقبل على الحكومة التي ستفوز في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في نيسان.
في الوقت نفسه تعترف القيادة العسكرية الإسرائيلية بأن تعريف «الانتصار» بالنسبة لها معقد وهو يشغل حيزاً من النقاش العسكري ولم تتوصل القيادة العسكرية إلى تحديده أم تحقيقه، فإسرائيل تجد نفسها عاجزة عن حسم أي حرب لها سواء أكانت ضد دولة بجيش نظامي أم ضد لاعب من غير الدول بقوات حرب عصابات حديثة صاروخية مثل المقاومة اللبنانية والفلسطينية وكل ما يمكن أن ينشأ في محور أطراف المقاومة من منظمات مماثلة، ومن الواضح أن إسرائيل تعيش منذ نشوئها واغتصابها لفلسطين في دوامة مستمرة من الحروب التي تولد أشكال مقاومة متنوعة لا تتوقف ومن جبهات متعددة.
قبل تسليمه قيادة الأركان الإسرائيلية كان غادي آيزنكوت، قد وضع عقيدة حرب منذ أشهر قليلة اعترف فيها أن انتصار سورية زاد من عدد جبهات القتال ضد إسرائيل لأن جبهة الشمال الممتدة من جنوب لبنان حتى حدود الجولان بدأت تبث روحاً معنوية داخل الضفة الغربية وقطاع غزة التي تحول إلى ما يشبه «جبهة جنوبية» تستدعي نشر قوات إسرائيلية كبيرة أمامها.
ويضيف آيزنكوت: إن إسرائيل ما تزال مجبرة على مواجهة قوات نظامية مثل الجيش السوري وقوات مقاتلين غير نظامية قادرة على إطلاق صواريخ لا تتوقف على الجبهة الداخلية الإسرائيلية من الشمال والجنوب معاً.
وبالمقابل يعترف البروفيسور الإسرائيلي المختص بشؤون سورية والشرق الأوسط إيال زيسير، في آخر تقدير للوضع الإستراتيجي الإسرائيلي أن «الرئيس (بشار) الأسد لن يتوقف للحظة عن تعزيز قدرات جيشه وأجهزة الأمن من أجل زيادة الردع».
الوطن السورية – تحسين الحلبي
Discussion about this post