في خلفية الهجمة الغربية المفتعلة والشرسة على روسيا الاتحادية بشأن المزاعم الهولندية بشن هجمات إلكترونية في محاولة من موسكو لاختراق حواسيب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة، تبدو الصورة أقرب إلى نوع من الانتقام، ولا تخرج عن السياق التقليدي القائم على مواجهة روسيا ومحاصرتها سياسيًّا ودبلوماسيًّا وعسكريًّا وجغرافيًّا واقتصاديًّا. ويتضح ذلك من خلال انبراء العديد من دول حلف شمال الأطلسي وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في دلالة واضحة على عدم براءة الهجمة الشرسة، وعدم مصداقية المزاعم التي بنيت عليها.
اللافت هو أن المزاعم الهولندية جاءت بُعيد المزاعم البريطانية التي لا يزال حبرها تسكبه الأوكار الاستخبارية والسياسية البريطانية ومن يساندها في حلف شمال الأطلسي والتي تتهم موسكو بتسميم الجاسوس الروسي المزدوج سيرجي سكريبال، في صورة تبدو تبادلية بين العواصم الأوروبية (الناتوية)لتشويه سمعة روسيا الاتحادية، وفي أول تعليق له
على الاتهامات الغربية الموجهة لموسكو، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج الخميس الماضي بعد أن قالت بريطانيا وهولندإن لديهما أدلة على تورط روسيا في هجمات إلكترونية “روسيا يجب أن توقف نمط سلوكها المتهور بمافي ذلك استخدام القوة ضد جيرانها ومحاولة التدخل في عمليات الانتخابات وحملات التضليل واسعة الانتشار”. مضيفًا: في الوقت الذي يجتمع فيه وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي لبحث قدرات جديدة على شن هجمات على الإنترنت”الحلف سيواصل تعزيز دفاعاته وقدراته على الردع من أجل التعامل مع تهديدات مختلطة تشمل هجمات على الإنترنت”.
ولإنعاش ذاكرة القارئ ولوضعه في صورة المزاعم البريطانية والهولندية ومحاولة ربط الأحداث ببعضها بعضًا، فإن المزاعم البريطانية جاءت مباشرة إثر الخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبيل الانتخابات الرئاسية والذي قطع به الطريق على أعداء روسيا وحلفائها في العالم والمنطقة من أي خطوات عدائية نحوها أو نحو حلفائها، كاشفًا عن قدرات تسليحية روسية جديدة تكسر التوازن القائم بين روسيا والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة التي تناصبها العداء،وكذلك التعهد الواضح من قبل الرئيس بوتين بان بلاده لن تتوانى عن الدفاع عن حلفائها الذين يأتي في مقدمتهم سوريا. أي الهدف من ذلك محاولة التشويش على الانتخابات الروسية قبل بدئها والتأثير على صورة الرئيس بوتين فيها، والانتقام من التعهد المباشر والصريح بالدفاع عن حلفاء روسيا. أما المزاعم الهولندية فجاءت إثر تطور مهم وهو قرار موسكو بتزويد سوريا بمنظومة الصواريخ الدفاعية “اس 300″ التي ستضع حدًّا للعربدة الإسرائيلية والغربية والإقليمية ضد سوريا وشعبها، والتأكيد الروسي بأن تزويد الجيش العربي السوري لن يقتصر على هذه المنظومة فحسب، وإنما على منظومات آلية تعطيه القدرة على التحكم وإدارة الأجواء هذا من جهة. ومن جهة أخرى الاستعداد والتحضير للجيش العربي السوري بالتعاون مع حلفائه لتطهير محافظة إدلب من الرجس الإرهابي التكفيري وإعادتها إلى حضن الوطن السوري الأم. وليس خافيًا على أحد ما يمثله تطهير هذه المحافظة وعودتها إلى السيادة السورية من إنجاز كبير لسوريا في معركتها ضد المؤامرة الإرهابية التي تستهدفها، فضلًا عن أنها آخر ورقة إرهابية بيد معشر المتآمرين يمارسون بها القتل والتدمير والابتزاز، فليس هناك مكان آخر يمكن أن ينقل إليه فلول التنظيمات الإرهابية، وبالتالي ما عليهم سوى العودة من حيث أتوا، والرحيل باتجاه أوروبا ودول الإقليم، ويبدو أن هذا ما تخشاه هذه الدول، متجاهلة في الوقت ذاته خطأها الكارثي والفادح بتجنيد التنظيمات الإرهابية، وتشجيع التكفيريين على أراضيها بالرحيل إلى سوريا بشعار “الجهاد ونكاح الحوريات في الدنيا والآخرة”.
ومن يَعُدْ إلى ما يعنيه تزويد الجيش العربي السوري بهذه المنظومات المتطورة التي من الوارد أن نشاهد في مرحلة لاحقة أن يمتلك الجيش العربي السوري المنظومة الدفاعية الأكثر تطورًا “اس 400″، سيدرك حجم ما يشعر به معشر المتآمرين على سوريا وفي مقدمتهم الطرف الأصيل؛ ونعني به كيان الاحتلال الإسرائيلي، ذلك أن هجماتهم الغادرة والعدوانية سيكون مصيرها الشلل، كما أن التحرك الروسي السريع في تزويد الجيش العربي السوري بمنظومة “اس 300″ يعكس الفهم الروسي والبُعد الاستراتيجي لدى القيادة الروسية السياسية والعسكرية في روسيا، والذي جاء ردًّا للاعتبار وردًّا على الضربة الغادرة التي تلقتها روسيا الاتحادية في الظهر، وعلى الإهانة التي وجهها كيان الاحتلال الإسرائيلي لقوة عظمى في حجم روسيا الاتحادية، ولجيشها بالتسبب المتعمد في إسقاط الطائرة “إيل 20″ ومقتل أربعة عشر عسكريًّا روسيًّا كانوا على متنها.فهذا التحرك قد استبق عملية التحضير الجارية التي يعدها معشر المتآمرين على سوريا عبر عصاباتهم الإجرامية والإرهابية في سوريا لفبركة جديدة حول استخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين، ثم اتهام الجيش العربي السوري باستخدامه، بهدف تبرير العدوان غير المسبوق على سوريا والذي كشف عنه المتصهين جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي.
لذلك، يبدو أن الهجمة الغربية على روسيا الاتحادية بشأن مزاعم محاولة اختراقها حواسيب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية هو قصف سياسي تمهيدًا للخطوة اللاحقة التي يجري عليها العمل من قبل معشر المتآمرين والمتمثلة في: إما جريمة كيميائية حقيقية ضد المدنيين السوريين، وإما فبركة كيميائية على غرار ما سبق، بحيث توظف هذه المزاعم الهولندية في إسناد الاتهام، أو الاكتفاء بها في عملية تشويه سمعة روسيا الاتحادية. غير أن ما يحسب لروسيا الاتحادية هو أنها قد نجحت نجاحًا كبيرًا في استثمار الحماقات وحالة العداء في خدمة أهدافها، وتحويل هذه الحماقات والمغامرات إلى وجع دائم لمرتكبيها على النحو الذي رأيناه منذ إسقاط الطائرة الروسية “سوخوي 24″ ومقتل أحد طياريها، وما ترتب على هذه الحماقة من قرارات روسية موجعة، وإلى حماقة التسبب الإسرائيلي المتعمد في إسقاط الطائرة “إيل 20″ ومقتل ركابها الأربعة عشر.
خميس التوبي – الوطن العمانية
Discussion about this post