«حين لا تستطيع الولايات المتحدة، وحلفاؤها، على مدى سبعة عشر عاماً، احتواء حركة «طالبان» في أفغانستان، لا بل أنها تلهث وراءها من أجل التفاوض، كيف لها أن تحتوي، أو أن تدمر، «حزب الله» ؟ لا استبعد أن تعرض عليه الجلوس الى الطاولة في وقت من الأوقات».
هي زميلة سويسرية غطت أحداث الحرب في لبنان. بين الحين والاخر كانت «تهرب» الى باريس حيث تقيم ابنتها. لا تلبث أن تعود بحثاً عن «الأكشن» في بيروت.
ما كنا نشتكي منه في المدينة كان يفتن «مدام صوفي». السيارات المركونة على الأرصفة، الهاتف المعطل، الكهرباء المقطوعة، عبارات الغزل من السائقين الذي كانوا يتنقلون بها.
«مدام صوفي» في زيارة ذكريات لبيروت. قالت انها تعمل الآن في معهد للأبحاث، وتتابع احداث المنطقة بدقة.
ترى في دونالد ترامب الفيل داخل غرفة زجاجية. «يفترض ان يكون رئيس أميركا بمواصفات مختلفة كلياً. أن يشارك بفاعلية، فاعلية أخلاقية، وفاعلية فلسفية ، بالدرجة الأولى، في البحث عن تسويات للأزمات التي تضرب مناطق مختلفة من العالم، لا أن يتلذذ، كما نيرون، برؤية الحرائق».
العكس يحصل الآن «لكأننا نحفر الخنادق استعداداً للحرب العالمية الثالثة. بدلاً من أن يسعى الى اعادة هيكلة الأمم المتحدة ليكون لها حضورها الفعال، والمتوازن، على المسرح الدولي، يأتي بجون بولتون الذي يزدري المنظمة الدولية، ولا يرى اي جدوى من بقائها، مستشاراً للأمن القومي.
تقول «في باريس، كما في عواصم أوروبية أخرى، يستهجنون التركيز العاصف على ايران، وهي تنؤ بمشاكلها التي لا يمكن لأي دولة في العالم تحملها».
«مدام صوفي» لا تشكك في الحنكة الديبلوماسية لدى الايرانيين. لكنها تلاحظ ان الأميركيين يطبقون عليها في كل مكان «تصور أن أذربيجان، الشيعية بجذورها التركية، ضد طهران. كلك طاجكستان السنيّة، بجذورها الفارسية».
لا مكان لايران في آسيا الوسطى، ولا في القوقاز، «هذه مسألة بالغة الحساسية، وبالغة الخطورة بالنسبة اليها اذا كانت تخال أن بوسعها ان تلعب جيوبوليتيكياً في الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي تضج بالخطوط الحمراء، دون أن تأخذ بالاعتبار ما يحدث وراءها وحولها».
ما يبتغيه ترامب «الذي لا يريد البتة شن حرب على ايران، بالرغم من كل الضغوط التي يمارسها بنيامين نتنياهو، وهو الذي يلاحقه شبح حسن نصرالله، أن يبقى العرب في حالة من الهلع من التسونامي الايراني».
في نظرها أن الرئيس الأميركي «يمارس حقارته أمام الملأ حين يخاطب رجلاً مثل ملك السعودية بتلك الفظاظة ليعد الناخبين بمئات مليارات الدولارات».
لا بل أن «مدام صوفي» ترى ما هو أبعد من ذلك » ترامب يقول، ضمناً، اذا رفعنا ايدينا عنكم لا بد للشعب الذي داخل القمقم أن ينقضّ عليكم. هذا يعني أن الولايات المتحدة، ومن أجل حفنة من الدولارات، وهو عنوان الفيلم الشهير لكلينت ايسوود، يعرّي بلاده من القيم بتأمين الحماية لنظام توتاليتاري لا مكان له في القرن».
تلاحظ أن الخليجيين ضاقوا ذرعاً بمحاولات المملكة وضع اليد عليهم «ها هي قطر وقد انعتقت من السيطرة. الكويت، بديبلوماستها الهادئة، لم تعد تتحمل الضغوط. رأيت اي لهجة استخدمها الأمير صباح الأحمد حين حاول ولي العهد السعودي فرض زيادة انتاج النفط عليه».
تستدرك «هل تعتقد أن الأميركيين لا يلعبون باعصاب الأمير محمد بن سلمان ؟ الأمير الشاب يعلم ذلك، ولكن ما هي الخيارات الأخرى لديه، وهو داخل الزنزانة الأميركية؟».
عن لبنان، تقول «أنتم تحكمكم مافيات من الطراز الرفيع. اذا كان الفساد عندكم بهذا المستوى من الفظاعة، وأنتم لا تملكون سوى الهواء. أي نوع من الفساد سيحل عليكم حين يبدأ استخراج النفط والغاز ؟».
الذي «يزيد من هشاشة المشهد، وانعكاساته على الحالة اللبنانية، أن المنطقة في حالة دراماتيكية من التآكل السياسي والاقتصادي والاستراتيجي».
«مدام صوفي» تقول «أعرف أن من الطبيعي أن يحتدم الصراع، الصراع الجنوني، بين المسلمين لأنهم يعيشون في الماضي، وقد سقطوا في ثقافة القبور، لكنني لا أدري السبب في الصراع الجنوني بين المسيحيين الذين قد يستفيقون ذات يوم ليجدوا وقد خلت أيديهم من كل شيء».
تعرف دار المصيطبة جيداً. واثقة من أن أزمة تشكيل الحكومة تدار من الخارج. «لاحظ النبرة العالية للرئيس تمام سلام، ولطالما عرف بدماثته، ضد الرئيس ميشال عون، تعلم أي أصابع تعبث بخيوط الأزمة».
نبيه البرجي – الديار
Discussion about this post