تعود روسيا من جديد إلى المنطقة، ولكن هذه المرة من البوابة الإفريقية، حيث يعقد في مدينة سوتشي قمة “روسيا إفريقيا” والتي تأتي بمشاركة وفود من غالبية الدول الإفريقية، للمساهمة في تطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الدب الروسي الباحث عن دور جديد في منطقة الشرق الأوسط، بعدما نجح في ترسيخ أقدامه في سوريا، وصار الرقم الصعب الذي يصعب تجاوزه في أي مفاوضات مستقبلية خاصة بعملية السلام في سوريا، هذا في الوقت الذي يشهد تراجعا أميركيا عن الانخراط في مشاكل وصراعات المنطقة، ومحاولة للخروج منها بأقل الخسائر، حتى ولو كان ذلك على حساب مكانة ونفوذ الولايات المتحدة وشركائها الغربيين، لنصبح أمام معادلة جديدة تحاول أن تفرض نفسها ووجودها ليس فقط في آسيا وإنما كذلك في إفريقيا.
ويبدو من خلال القمة الإفريقية التي عقدت في روسيا مؤخرا، أن موسكو تعتمد مقاربة جديدة تقوم على التعاون المثمر في المجالات الاقتصادية والسياسية، من خلال فتح الباب أمام الاستثمارات الروسية في إفريقيا، والسماح للشركات والبنوك الروسية بتعميق التعاون مع الدول الإفريقية، بعد أن ظلت إفريقيا لعقود طويلة حكرا على الدول الغربية من جهة وعلى الصين والولايات المتحدة من جهة أخرى.
ويمثل هذا تطورا كبيرا في الرؤى والاستراتيجيات الروسية التي كانت ولا تزال تعتمد على القوة العسكرية كمدخل للتعاون مع شركائها في المنطقة، مثلما هو الحال في سوريا التي نجحت روسيا في إقامة أول قاعدة عسكرية لها فوق أراضيها، لتثبت بذلك أن رغبتها في التعان الاقتصادي مع شعوب تلك الدول يفوق رغبتها في التعاون العسكري، وإن كان الأول لا يلغي الثاني والعكس، فروسيا تعتمد على التعاون العسكري والاقتصادي في تعاملها مع بلدان المنطقة حسب البيئة والتطورات التي تحدث في تلك البلدان.
ويعكس مؤتمر قمة إفريقيا كذلك رغبة روسيا في تحسين صورتها أمام الرأي العام العربي والإفريقي، وإن كانت روسيا تحاول تحسين صورتها بشكل مستمر من خلال دورها الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، ومحاولتها التوسط ما بين الفصائل الفلسطينية والكيان الصهيوني، ودعوتها تلك الفصائل للتشاور في موسكو أكثر من مرة، وذلك على اعتبار أن النظرة الإيجابية لدور روسيا في المنطقة قد يسهل عليها الدخول للأسواق العربية والإفريقية وفرضها كبديل للولايات المتحدة في المنطقة.
ولكن يبقى التساؤل: هل تملك روسيا الإمكانات التي تمكنها من لعب هذا الدور، خصوصا وأننا نعلم أن أوضاعها الاقتصادية تعاني العديد من المشاكل، وأنها تكافح مثلما تكافح دول المنطقة من أجل الخروج من عنق الزجاجة؟ وإن كان الواضح أن ما تقوم به روسيا ليس أكثر من خطوة في طريق طويل، فالولايات المتحدة لا تزال رغم تراجع دورها القادرة على تسيير الأمور في الشرق الأوسط، وأنها من يعطي روسيا هذا الدور ومن يقدر حتى الآن على الوقوف في طريقها ومنعها من مواصلة الانفتاح على إفريقيا، فهل تنجح روسيا في تخطي العقبة الأميركية والخروج من عنق الزجاجة؟ أم ستظل أسيرة للهيمنة الأميركية وغير قادرة على تشكيل دور مستقل عنها في الشرق الأوسط؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام والشهور القادمة.
د.أسامة نورالدين -الوطن العمانية