لا يُمكن النّظر إلى قرار الحُكومة البريطانيّة بحظر جماعة “حزب الله” بأكمَلها وجميع أجنحتها السياسيّة والعسكريّة وتصنيفها كمُنظّمةٍ إرهابيّة، بمَعزل عن التّحشيدات الأمريكيّة والإسرائيليّة للحرب على إيران، باردةً كانت أم ساخنةً، وفي إطار التّحشيد العالميّ والإقليميّ لها.
الحُكومة البريطانيّة اليمينيّة المُحافظة خرجت عن السّياسات الأوروبيّة عندما ساوَت بين الجَناحين السياسيّ والعسكريّ للحزب، عندما قال وزير داخليّتها ساجد جاويد “لم نعُد قادرين على التّفرقة بين جناحها العسكريّ المحظور وجناحِها السياسيّ غير المحظور، ولهذا اتّخذت قرارًا بحظر الجماعة بأكمَلها.
هذه الخُطوة جاءت استجابةً لضُغوطٍ أمريكيّة وإسرائيليّة، ولهذا لم يكُن مُستغربًا أن يكون جلعاد أردان، وزير الأمن الإسرائيلي، من أوّل المُرحّبين بها، وحثّ الدول الأوروبيّة الأخرى على السّير على طريق الحظر نفسه، ولا نستبعِد “تغريدةً” وشيكةً من الرئيس دونالد ترامب في الإطار نفسه.
الحكومة البريطانيّة كانت أوّل من أدخلت مفهوم التفريق بين الأجنحة العسكريّة والأخرى السياسيّة لحركات المُقاومة، عندما اقتصر حظرها على الجناح العسكري فقط للجيش الجمهوري الإيرلنديّ، الذي كان يُقاتل من أجل توحيد إيرلندا، ولكن قرارها هذا يأتي خرقًا لهذا المفهوم وبِما يعكس ازدواجيّة المعايير عندما يتعلّق الأمر بالعرب والمُسلمين والصّراع العربيّ الإسرائيليّ تحديدًا.
لا نعتقد أن “حزب الله” الذي تعوّد على قرارات الحظر هذه طِوال السّنوات الماضِية، سيتأثّر كثيرًا بهذا القرار البريطانيّ، فهو يعيش تحت حصار أمريكيّ عربيّ إسرائيليّ مُنذ عقود، وتكيّف مع كُل ما يُمكِن أن يترتّب عليه من صُعوباتٍ في التّحويل الماليّ، وجمع المُساعدات الماليّة من أنصاره في الخارج، مُضافًا لذلك ليس هُناك مليارات باسمه، أو باسم قيادته في المصارف الغربيّة حتى يتم تجميدها.
بريطانيا التي لم يُقدم “حزب الله” على أيّ عمل عسكري ضد مصالحها سواء في الداخل أو الخارج، قد تكون الأكثر تضرّرًا، إذا لم يكن في الوقت الراهن، فربّما في المُستقبل، لأنّها أغلقت كُل قنوات الحوار والاتصال مع الحزب، بعد أن كان المسؤولون في وزارة خارجيّتها يوجّهون دعوات لنُظرائهم في “حزب الله” لزيارة بريطانيا، وتبادل الأفكار معهم حول العديد من القضايا الأمنيّة والسياسيّة.
نفهم أن تتّخذ بريطانيا هذا الإجراء كرد على كشف أجهزتها الأمنيّة عن خليّة للحزب نفّذت أو كانت تُخطّط للإقدام على عملٍ إرهابيٍّ في داخِلها، ولكن أن يأتي هذا الإجراء استجابةً لتحريضٍ أمريكيٍّ إسرائيليٍّ فهذا يعكِس قُصورًا في فهم ما يمكِن أن يترتّب عليه من أخطار مُحتملة على أمن البِلاد واستقرارها مُستقبلًا، فمنطقة الشرق الأوسط هي من أكثر المناطق في العالم صُعوبةً على التنبؤ بالتّطورات المُستقبليّة فيها.
“حزب الله” يُشكّل جزءًا رئيسيًّا في النّسيج اللبنانيّ السياسيّ والاجتماعيُ، وله ثلاثة وزراء في الحكومة اللبنانيّة، والعديد من النوّاب في البرلمان المُنتخب، وحظره بهذه الطريقة من بلد مثل بريطانيا تبعد عن لبنان بأكثر من خمسة آلاف كيلومتر يظل موضع تساؤل حول حكمته وعدم القُدرة على التبصُّر بأخطاره.
من يُهدّد أمن الشرق الأوسط واستقراره ليس “حزب الله” وإنّما إسرائيل التي تحتل الأرض الفلسطينيّة وتنسِف عمليّة السلام، وتواصِل حُروبها الدمويّة، وما ترتكبه فيها من جرائم حرب، خاصّةً في جنوب لبنان وقِطاع غزّة وسورية.
“حزب الله” حركة مُقاومة مَشروعة ضِد الاحتلال الإسرائيليّ الغاصِب للأراضي اللبنانيّة والفلسطينيّة والسورية أيضًا، وسيَظل كذلك، ولا نعتقد أن الحظر البريطانيّ عليه سيكون أفضل حالًا من نظيره الأمريكيّ، ويُغيّر من هذه الحقيقة.
قرار الحظر هذا يعكِس حالة الفوضى السياسيّة التي تعيشها بريطانيا، وضعف حُكومتها الحاليّة وارتباكها، وخُضوعها بالكامِل للوبيّات الضّغط الإسرائيليّة سواء داخل بريطانيا أو في أمريكا، وهذا أمرٌ مُؤسفٌ بكُل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
Discussion about this post