غادرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تركيا, ولا تزال معظم القضايا الشائكة بين برلين وأنقرة عالقة, فرغم أن لقاءها برئيس النظام التركي رجب أردوغان لم يكن مثقلاً بالخلافات كسابقيه, إلا أن حفاوة الاستقبال والتبادل الدبلوماسي للتهنئات بين الطرفين لم يزل كل الملفات الدسمة من أجندة اللقاء, فميركل المعنية بعودة الدفء بين بلادها وأنقرة خوفاً من موجة لجوء جديدة, كانت تحمل في جعبتها عدة ملفات شائكة أخرى وفي مقدمتها التدخل العسكري التركي في ليبيا, ناهيك عن الملفات التي حُمّلت بها عشية زيارتها كنقل وجهة نظر اليونان حول الاتفاقية التي وقعها اردوغان مع رئيس حكومة الوفاق الليبية, والضغط على أردوغان لوقف أعماله غير القانونية قبالة سواحل قبرص, بالإضافة إلى مناشدة منظمة العفو الدولية التطرق إلى ملف الحريات والدفاع عن نشطاء حقوق الإنسان في تركيا.
خلال الزيارة التي استغرقت يوماً واحداً, هيمنت القضايا الخلافية بين ميركل وأردوغان الذي واصل سياسته المعتادة في الملف الليبي عبر تسويق جملة من التحذيرات بأن «الفوضى ستعم حوض المتوسط» ما لم تتحقق سريعاً التهدئة التي يشتهيها في ليبيا، بلهجة رأى فيها مراقبون تهديداً صريحاً للمجتمع الدولي والأطراف الفاعلة في الأزمة الليبية.
رسائل أردوغان للمجتمع الدولي بدت أكثر وضوحاً عندما قال: «لن نترك رئيس حكومة الوفاق فايز السراج وحده، ونحن عازمون على تقديم الدعم له», زاعماً أن مهمة أنقرة في ليبيا تقتصر على تدريب القوات التابعة لحكومة «الوفاق», مع أن الوقائع تقول: إن أردوغان أرسل مرتزقة وإرهابيين إلى طرابلس لقتال الجيش الليبي.
بعيداً عن إصرار أردوغان في التدخل بليبيا وفشل ميركل في لجم أطماعه, مثلت هذه الزيارة فرصة للمستشارة الألمانية لجس نبض أنقرة بشأن اللاجئين الذين يستخدمهم أردوغان كورقة رابحة يبتز فيها الأوروبيين متى شاء بغية تحصيل مكاسب سياسية واقتصادية. فمنذ توقيع اتفاق الهجرة مع الاتحاد الأوروبي عام 2016, وأردوغان يهدد بفتح الحدود والسماح للاجئين بالتوجه إلى أوروبا إذا لم يحصل على المزيد من المساعدات من «الأوروبي» لإنقاذ اقتصاد نظامه المتعثر, في عملية ابتزاز معلنة لاستنزاف الموارد الأوروبية.
وللحد من المخاوف الأوروبية إزاء موجة هجرة جديدة, وافقت ميركل على زيادة الدعم المالي لأنقرة, فيما لم يكشف النقاب عن المبلغ الذي ستدفعه بروكسل إلى أنقرة خارج حزمة 6 مليارات يورو المتفق عليها بين الطرفين لوقف تدفق المهاجرين إلى القارة العجوز.
مع عدم ثبات السياسات التركية في مقاربة العديد من القضايا المختلف عليها بين ألمانيا وتركيا, غادرت ميركل تركيا من دون إحراز أي تقدم في أي ملف من الملفات التي كانت محمّلة بها, باستثناء ملف الهجرة الذي قايضت فيه بزيادة الدعم الأوروبي بلجم أردوغان عن فتح الباب أمام المهاجرين.
وعليه, لا يتوقع مراقبون أن تخرج العلاقة بين البلدين عن دائرة الحذر بما في ذلك العلاقات الاقتصادية, ففيما يريد نظام أردوغان إنقاذ الاقتصاد من أي جهة للخروج من أزمته, لا تمانع ألمانيا في إيجاد منافذ جديدة لاستثماراتها مع الحذر الشديد من تقلبات سياسات أردوغان الاستعمارية.
صفاء إسماعيل – تشرين