بقلم : يونس أحمد الناصر
ربما الضجيج الإعلامي المعادي المقصود و الذي رافق استثمار شركة ستروي غاز الروسية لمرفأ طرطوس هو الرعب من قدرة سورية و حلفائها على قلب الطاولة على كل من تآمر عليها و على رأسهم الإدارة الأمريكية التي فرضت حصارها الجائر على سورية لمنع إعادة الإعمار و منها منع الدول من المشاركة في هذا العمل و هم يعلمون يقينا بأن إعادة الإعمار ليست مشروعا واحدا بل آلاف المشاريع تتهافت كبريات الدول و الشركات كي تنال حصتها من كعكة إعادة الإعمار
و يعلمون يقيناً بأن سورية لن تمنح لا الشركات الأمريكية و لا شركات الدول التي ساهمت بالعدوان على سورية أي فرصة في هذا المجال و لذلك قامت أمريكا بتحذير الدول من المشاركة بإعمار سورية القدوم لسورية
و حذرت السفن من القدوم للمرافئ السورية , فكان الرد الصاعق على محور العدوان الغربي و عقوباته الاقتصادية الظالمة على الشعب السوري باستثمار مرفأ طرطوس من قبل شركة ستروي غاز الروسية العملاقة و لأغراض اقتصادية و ليست عسكرية .
ما يعني قانونياً بأن روسيا هي التي أصبحت في الواجهة و أي عدوان أمريكي على أي سفينة قادمة لهذا المرفأ هو عدوان على روسيا و الأكيد بأن أمريكا لن تختار حرباً مع روسيا و ليست قادرة عليها أساساً
إذا مرفأ طرطوس بات اليوم بوابة لإعادة إعمار سورية بعد تطويره بالطبع و هو ما سعت إليه الحكومة السورية منذ سنوات طويلة و تعذر الحصول على عقد مناسب لضخامة الأعمال المزمع إجراؤها من تعميق المرفأ و تحديث معدات المناولة فيه بما يشمل تطوير البنية التحتية كاملة لهذا المرفأ القديم و هو ما ستقوم به الشركة الروسية العملاقة
إذا سورية خطت خطوتها الأولى بعد الانتصار باتجاه إعادة الإعمار و بشراكة اقتصادية مع الدول التي ساعدتنا في القضاء على الإرهاب الذي بات بحكم الناجز .
الصين و إيران أيضاً أبدتا اهتماماً كبيراً في هذا المجال و مشروع خط الحديد الحريري بوابة إضافية للدخول إلى مشاريع إعادة الإعمار السورية
بما يذكرنا بمشروع مارشال لإعادة إعمار أوربا بعد الحرب العالمية الثانية
و غني عن القول بأن سورية اليوم هي فرصة ذهبية للرساميل الباحثة عن التوظيف و يدعمها الاستقرار الذي يؤمنه محور قوي تقوده روسيا و الصين و مجموعة بريكس و منظمة تعاون شنغهاي و هو الشرط الأساسي للتوظيف يعلم الجميع بأن هذه الكتلة الاقتصادية و البشرية تشكل ثلثي العالم اقتصادياً و بشرياً و تطمح لقيادة هذا العالم بعد اندحار المحور الغربي الذي بات وشيكاً و أعني أمريكا المهزومة و أوربا العجوز
و كما هو الحال بعد الحرب العالمية الثانية و بعد مؤتمر بريتون وودز و الذي طوَّب الدولار الأمريكي و البنك الدولي كسادة لاقتصاد ما بعد الحرب يتجهز اليوم الروبل و اليوان وبنك بريكس ليحتل هذه المكانة من بوابة الانتصار السوري
و سورية تتمتع بموقعها الجغرافي الهام و الاستراتيجي على الضفة الشرقية للمتوسط أو المياه الدافئة والتي طالما سعت روسيا و الصين لإيجاد موطئ قدم لها على هذه الضفة كون سورية هي عقدة ربط مواصلات القارات الثلاث أفريقيا و آسيا و أوربا و بما حباها الله من ثروات طبيعية مؤهلة بجدارة لتكون نمراً آسيوياً ناهضاً بقوة بمحاكاة ليست بعيدة عن نهوض النمور الآسيوية و أعني كوريا الجنوبية و تايوان و سنغافورة و الفلبين , هذه الدول التي استطاعت إنشاء بنية تحتية ضخمة عبر مشاريع التشاركية مع القطاع الخاص الأجنبي كقطاع الإسكان و الطرق و الجسور و الفنادق و غير ذلك من مقومات الدول العصرية
مقاربة قد تبدو غريبة فتلك الدول استقطبت رؤوس الأموال في فترة رخاء و نحن نستقبل رؤوس أموال حلفائنا و نحن خارجين من حرب, و ربما هذا ما يجعلها أقوى لناحية البناء على أسس عصرية و من دول حلفائنا التي يشهد لها العالم بالتفوق في مجالات البناء في البنية التحتية و أعني روسيا و الصين و إيران هذا المحور الذي وقف معنا بكل إمكاناته العسكرية لتحرير سورية من فيروس الإرهاب -الذي يستهدفهم كما يستهدفنا- بل و يستهدف العالم بأسره
و غني عن القول بأن هذا الإرهاب تم تصنيعه في مخابر استخبارات العالم الغربي الآيل للسقوط و هزيمة هذا الإرهاب هو هزيمة لصانعيه و مشغليه الذين استثمروا بهذا الإرهاب و فشلوا .
وبالعودة للنمور الآسيوية أو نمور شرق آسيا وأعني تايوان، سنغافورة، هونغ كونغ وكوريا الجنوبية و التي سميت بهذا الاسم لتحقيقها معدل نمو اقتصادي مرتفع و تصنيع سريع خلال الفترة ما بين الستينيات والتسعينيات, وفي بداية القرن الواحد والعشرين تحولت هذه البلدان إلى بلدان متقدمة، وساعدت في نمو اقتصادات بعض الدول الآسيوية.
هل تتكرر تجربة النمور الآسيوية في سورية ؟
يوصف النمر الآسيوي، بسرعة حركته ومباغتته للخصوم، وهو ما حدث بالضبط مع دول شرق آسيا التي باغتت العالم بسرعة نموها وانتقالها لمرحلة التصنيع بطريقة حيرت أساتذة الاقتصاد في العالم على ضوء الندرة الشديدة للموارد الطبيعية في تلك البلدان، بل ويعاني بعضها من شح في المياه العذبة، مثل سنغافورة التي تستورد مياه الشرب من ماليزيا, ما يجعل سورية تتفوق على هذه الدول من حيث توفر الموارد و الثروات الطبيعية و على رأسها المياه الصالحة للشرب و الزراعة
و النمور الآسيوية التي حققت معدلات كبيرة للنمو الاقتصادي نقلها من خانة الأمم الفقيرة المهمشة لدول صناعية واقتصادية مذهلة وسجلت معدلات نمو وصلت إلى 10% في العام.
وكوريا الجنوبية التي خرجت من أمة منهارة قتلت الحرب فيها أربعة ملايين مواطن إلى دولة صناعية رائدة تملك اليوم تاسع أكبر اقتصاد في العالم، أما تايوان فلم تكن أكثر من جزيرة صغيرة للصيادين حققت قفزات اقتصادية مدهشة رفعت دخل المواطن إلى 13 ألف دولار ووضعتها في المركز الـ23 ضمن أكبر اقتصاديات العالم، والشيء نفسه بالنسبة لسنغافورة وهونج كونج وماليزيا وإندونيسيا والفلبين.
من حقنا أن نتفاءل اليوم بأن سورية ستكون نمراً آسيوياً جديداً و هي مؤهلة بكل المعايير دون الدخول بالتفاصيل لتكون كذلك .
مع إدراكنا بأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال استنساخ تجربة نمو من دولة إلى أخرى، فلكل دولة ميزات وطبائع مختلفة تتعايش معها، ولكل دولة معدلات نمو سكانية وثروات طبيعية مختلفة، ومخاطر أمنية مختلفة أيضًا
و لكن نمور آسيا أصبحت مدرسة صدرت تجاربها لدول العالم الثالث التي تعمل للتحول إلى دول ناجحة والتخلص من أعباء الفقر ، و لسورية برأينا فرصة لدراسة تجارب تلك الدول ونماذج التنمية لديها في محاولة للاستفادة منها وتطبيق ما يمكن تطبيقه.
allnewsyounes@yahoo.com