بقلم : يونس أحمد الناصر
لا يختلف اثنان في العموم و إن اختلفا في التفاصيل على أن تجربة حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية منذ التأسيس إلى اليوم هي تجربة غنية استطاعت توحيد الجماهير تحت شعاراتها الثورية التي رفعتها منذ التأسيس في منتصف القرن الماضي حيث كان العمال و الفلاحين يرزحون تحت ظلم الإقطاع و عسف البرجوازية , فكانت مطالب هاتين الشريحتين و اللتان تشكلان الغالبية الساحقة من أبناء الشعب في سورية بل عموم الجماهير العربية التي عاشت تحولات رحيل المحتل العثماني و الفرنسي و ما تركته الاحتلالات من آثار اجتماعية هائلة , جاء حزب البعث العربي الاشتراكي بعد توحيد حركتي البعث و الاشتراكي ليتبناها و ليصلح هذه الاختلالات و يعيد لجماهيره الواسعة حقوقها المسلوبة سواء في الأرض أو المصنع , و قد نسمع بين الحين و الآخر أصواتاً تنتقد تجربة الحزب في التأميم و الإصلاح الزراعي و غالباً ما تكون هذه الأصوات من الفئات التي خسرت نفوذها لصالح الطبقات الكادحة
و بعد ثورة الثامن من آذار ازداد يقين هذه الجماهير بصدق شعارات الحزب المرفوعة وإيمانها بأن هذا الحزب هو القادر فعلاً على تحقيق مطالبها, فاكتسح حزب البعث العربي الاشتراكي الساحتين السورية و العربية , فكان حزباً ممثلاً للعمال الفلاحين و حزباً قومياً يرفع شعار الوحدة العربية كطريق لعزة العرب و قوتهم و ضمان استقلالهم الذي حصلوا عليه بتضحيات أجدادهم , فانضوى تحت راية البعث ملايين السوريين و العرب و كانت الحركة التصحيحية لمسار الحزب و كانت حرب تشرين التحريرية بقيادة القائد الراحل حافظ الأسد الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي و التي أعادت للمواطن العربي في كل مكان ثقته بالقدرة على الانتصار أمام جيش العدو الذي أشيع بعد نكسة حزيران بأنه الجيش الذي لا يقهر , و كانت عطاءات الحزب القائد التي يعرفها الجميع و لا مجال لتكرار ذكرها و التي صعدت بشريحتي العمال و الفلاحين في سورية صحياً و تعليمياً و جودةً للحياة , فكانت سورية الحديثة التي عشناها خلال أربعون عاماً من النعيم بقيادة القائد الراحل حافظ الأسد , إلى أن انتقل لجوار ربه كريماً لم يتنازل عن حق , فكان نعم القائد الملتزم أمام شعبه و الملبي لطموحات هذا الشعب , حتى غدت سورية رقماً مهماً في حسابات العالم ما دفع المراقبين للقول ” إن سورية أكبر بلد صغير في العالم ”
فكانت بهذه المكانة , مكاناً لحسد الحاسدين و غيرة الغيورين و الحاقدين .
بعد رحيل القائد المؤسس حافظ الأسد و لإيمان الجماهير في سورية بالخط القومي و النضالي للقائد المؤسس حافظ الأسد , تنادت هذه الجماهير في مسيرات التشييع للمطالبة بابنه الدكتور بشار الأسد رئيساً للجمهورية العربية السورية , لأنه الأقدر على حمل الراية و الحفاظ على المكتسبات التي حققتها الجماهير, و الذي أعلن في خطاب القسم التزامه بالنهج الذي سار عليه القائد المؤسس و البناء على المكتسبات التي حققتها الجماهير الواسعة في سورية.
المتربصون بسورية كُثُر, و الذين رأوا برحيل القائد المؤسس فرصة لتحقيق أطماعهم, فحاولوا ذلك عبر ما يسمى منتديات دمشق أو ربيع دمشق و لكنهم فشلوا مرة أخرى أمام وعي الشعب العربي السوري الذي اكتشف خداعهم , و تمسك مجدداً بقيادة القائد بشار الأسد الذي خاض مع المقاومة اللبنانية حرب تموز و انتصر – و يشبه بذلك انتصار القائد المؤسس في حرب تشرين – فعزز ذلك حضوره الوطني و العربي و الدولي, و بأنه القائد الذي لا يساوم في الحقوق, فكبرت المؤامرة و كانت الحرب الظالمة على سورية عام 2011 .
و إلى اليوم لا زالت سورية صامدة و تحقق الانتصار تلو الانتصار و أثبت البعث مجدداً مع أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي يقودها , قدرته بجماهيره الواسعة و جيشه العقائدي على حماية الاستقلال .
ما سبق هو إنجازات و انتصارات حققها البعث , و لكن ذلك لا يمنع من الإشارة للهنات التي يمر بها كل حزب يصل للسلطة
و الأخطاء التي يرتكبها أثناء ممارسته للقيادة و حزب البعث ليس استثناءً و النقد و النقد الذاتي هو مبدأ رئيسي من مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي و ممارسة يعرفها كل المنتسبين لهذا الحزب أو قرأ في أدبياته , باعتبار أن النقد هو أداة التصويب و تصحيح الأخطاء .
من هذه الهنات التي يُشار إليها في تجربة القيادة هي تربع بعض الرفاق البعثيين على مراكز السلطة و القرار لفترة زمنية طويلة , ما سبب بعض الجمود للحياة البعثية , ما حدا بالرفيق الأمين القطري للتدخل بإعادة تشكيل قيادات فروع الحزب و لإصدار تعليمات جديدة في استئناس الرفاق لاختيار ممثليهم لمجلس الشعب تحقيقاً للمزيد من الشفافية و توسيع قاعدة المشاركة.
إلا أن هذه التجربة اصطدمت بواقع التطبيق لأسباب مختلفة يدرسها البعث و أشار إليها الرفيق الأمين القطري باجتماعه مع القيادة القطرية مؤخراً.
و اليوم و بعد أداء قسم من أعضاء مجلس الشعب للقسم يتداول السوريون رسالة على هواتفهم تفيد بأن رئيس مجلس الشعب السابق الرفيق حمودة الصباغ سيستمر برئاسة مجلس الشعب للفترة القادمة كون الكتلة البعثية في المجلس هي التي ترجح كفة من سيتبوأ هذا الموقع , و رغم عدم وجود أية تحفظات لدي على شخص الرفيق حمودة الصباغ و عن إدارته للمجلس بدورته السابقة فإنني مع التجديد دائماً و عدم احتفاظ أي رفيق بموقع المسؤولية لأكثر من دورة , فالبعث يضم كوادر قيادية جديرة و تنتظر فرصتها لتعطي ما لديها , و التمسك بأسماء معينة في هذه المراكز أراه استفزازاً غير مبرر لقواعد الحزب و للشعب السوري الذي يقف خلف قيادة الحزب للدولة و المجتمع , و تجربتنا الحزبية السابقة خلال ما يزيد عن خمسين عاماً تثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن التغيير ضرورة و حيوية للبعث و قيادته للدولة و المجتمع, و الركود له انعكاسات حزبية و مجتمعية غير مرغوبة تتحمل مسؤوليته برأينا القواعد الحزبية .
التجدد هو عنوان الحياة و الاستمرار
فهل نحن فاعلون ؟