يحيى دبوق
هل صدر القرار الروسي بكف يد إسرائيل عن سوريا؟ سؤال بات أكثر حضوراً بعد ثلاثين يوماً بلا هجمات إسرائيلية صاخبة في الساحة السورية، بعدما امتنعت تل أبيب طوعاً و/ أو قسراً في أعقاب إسقاط طائرة «إيل» الروسية، الشهر الماضي.
قبل أيام، ومن على منبر «الكنيست»، أكد رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو مواصلة إسرائيل «عملها» في سوريا، تماماً كما كانت تعمل في الماضي. وشدّد على أن «العمل» يأتي وفقاً لـ«التنسيق الكامل» مع روسيا، وبلا أي تغييرات. تأكيد نتنياهو، وقبله وزير أمنه أفيغدور ليبرمان، أثار تساؤلات في الداخل الإسرائيلي عن الهدف من تصريحات كهذه، في ظل انتفاء معطيات ميدانية دالة عليها. أمس، أكدت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في ملحقها الأسبوعي، أن تصريحات نتنياهو «غير دقيقة». وأكدت أيضاً أن الحقيقة في مكان آخر مغاير لما ورد على لسان رئيس الحكومة، الذي يجب عليه أن «يقلق من الآتي، وأن يطلع الإسرائيليين على الحقائق كما هي دون مواربة»، تماماً كما ترد من الجانب الروسي.
وكشفت الصحيفة أن موسكو أبلغت تل أبيب، هذا الأسبوع وبأسلوب فظ جداً، أن قواعد الاشتباك باتت مغايرة في سوريا، وأن «ما كان لن يكون». ولفتت إلى أنها لن تسمح لإسرائيل بالمراوغة والعبث معها. الكشف، كما يرد، يعدّ في ذاته معطى يؤشر إلى مرحلة جديدة من قواعد الاشتباك في سوريا، ويبتيّن من إشاراتها أنها ستكون مغايرة من جهة إسرائيل تماماً لما سبق، وتستلزم منها أحد خيارين: إما الانصياع إلى القواعد الجديدة التي ترد إشاراتها من جانب روسيا، وإما المجازفة في ما لا تريده ولا تقوى عليه.
الموقف الروسي القاضي بتغيير «قواعد الاشتباك» في سوريا مبني في الأساس على ضرورة الحؤول دون أي خطأ يؤثر سلباً على الوحدات الروسية المنتشرة ميدانياً في سوريا، جنباً إلى جنب الجيش السوري وحلفائه، حيث الاستهداف الإسرائيلي. أي حادثة جديدة تطاول الوحدات الروسية، وإن نتيجة خطأ، ستكون ذات مفاعيل كارثية على القيادة الروسية، مع تبعات سلبية جداً تجاه مكانة روسيا وحضورها في سوريا والمنطقة.
في تقرير «يديعوت أحرونوت» إشارة إلى هدف روسي بمستويات استراتيجية من وراء كف اليد الإسرائيلية: «تهدف روسيا إلى إخراج القوات الأميركية من سوريا. إخراج سلاح الجو الإسرائيلي من الميدان ومنعه من العمل في سوريا، يعد مقدمة في سياق تحقيق هذا الهدف». وكانت إسرائيل قد أقرت عبر أحد وزرائها البارزين تقلص نافذة الفرص بعد حادثة الطائرة الروسية الشهر الماضي، في منع ما قال إنه «التمركز الإيراني» في سوريا. كلام الوزير إشارة إقرار، سبقت معطى «يديعوت أحرونوت» حول القرار الروسي، وهو يرجح فرضية وصول المفاوضات بين الجانبين إلى نقطة إشكالية، بلا اتفاق حولها. العضو الوزاري المصغر، وزير الداخلية ارييه درعي، قال في مقابلة بثت قبل يومين مع «إذاعة الجيش»: «التهديد الحقيقي الذي يواجه إسرائيل هو في الشمال، وتحديداً في سوريا. لدينا نافذة فرص باتت محدودة، ويوجد خطر كبير في أن تنجح إيران في التمركز في سوريا. نحن نواجه بصعوبة تطورات ما بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية، ولهذا السبب ننتظر ما سيحدث جراء العقوبات على إيران والتطورات بنتيجتها، سواء في إيران نفسها، أو في الساحة الشمالية».
في ذلك، تجدر الإشارة إلى الآتي:
ــــ من المنطقي أن يستتبع القرار الروسي خضوع إسرائيلي وامتناع عن شن هجمات. هذه النتيجة منطقية جداً ربطاً بقدرات الجانبين وإمكاناتهما. إلا أن هذا الخضوع غير مطلق مع بقاء هامش تحرك ميداني لدى إسرائيل حتى مع تقلصه قياساً بما مضى. لا يبعد أن ترى تل أبيب أن بإمكانها استخدام هذا الهامش، وتفعيله إلى أقصاه في وجه أعدائها، بصرف النظر عن النتيجة الفعلية الممكن تحقيقها.
من ناحية مادية بحتة، قد يكون لإسرائيل القدرة العسكرية على فعل شيء ما، مع أو من دون سلاح الجو الذي يتبيّن من تقرير «يديعوت أحرونوت» أنه محور القرار الروسي. فالقرار كما يرد، لا يلغي إمكان وقوع القيادة الإسرائيلية في تقديرات خاطئة، تستتبعه محاولة استكشاف حدود هامش المناورة المسموح به في سوريا، عبر خطف ضربة أو ضربات. لكن هل تجازف تل أبيب في إثارة الروسي و«فظاظته»؟ سؤال تبقى الإجابة عنه ضمن الإمكان.
ــــ لم يترك الروسي لسطوته وأن تدرك إسرائيل بنفسها حدود القدرة لديها على مواجهة قراراته، بل عزّزها ميدانياً بوسائل فرض ومنع، عبر تزويد الجيش السوري بمنظومات دفاعية (اس ٣٠٠) التي بإمكانها عملياً ردع الاعتداءات ومنعها، إن قررت إسرائيل تجاوز الإرادة الروسية، ودون إمكان تحميل موسكو المسؤولية المباشرة عنها.
ــــ يفترض بروسيا أن تتمسك بقرارها وتحفظه جيداً، وخاصة إن صحت النظرية الإسرائيلية بأن المقصود من قرار المنع وتغيير قواعد الاشتباك، هو الجانب الأميركي. الواضح أن أي تراخ، من شأنه التأثير سلباً على قدرة روسيا في مواجهة الأميركيين وصدهم، ضمن المواجهة الكلية بين الجانبين حول مستقبل سوريا، وتوجّه روسيا إلى تعزيز موقع الدولة السورية فيها مع ترسيخ قيادتها الحالية.
ـــ استراتيجياً، لقرار المنع تداعيات سلبية جداً على قدرة إسرائيل في فرض إرادتها على أعدائها. والواضح أن تل أبيب وكل مقاربتها للساحة السورية أمام منعطف، لا يبعد أن يكون مقدمة لمرحلة جديدة تستدعي منها إعادة موازنة قدراتها الفعلية وإمكان استخدامها في مواجهة أعدائها. وهو ما يصعب عليها، مقارنة بالتهديدات المتشكلة في سوريا ومنها، ما يلزمها في المقابل عدم مغادرة دائرة المواجهة، وإن بأساليب مقلصة أو مغايرة. وعلى هذه الخلفية، لن تسلم إسرائيل وستبحث عن خيارات بديلة مع إدراكها المسبق أنها أقل فاعلية في تحقيق الأهداف. في الوقت نفسه، ستعمل على استغلال هامش المناورة المقلصة التي تركت لها في سوريا، بعد استكشاف حدودها إن قررت المجازفة في إثارة الروسي، وإن كان الإدراك المسبق لديها تواضع تأثيرها.
الاخبار
Discussion about this post