تعمل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا أجنبيا، في وقت يعتبر المراقبون أن هذه الخطوة نتيجة طبيعية للمناخ الإقليمي والدولي المعادي للتيارات المتشددة، وفي ظل توجه إلى مقاومة أشمل للإرهاب تقوم على اجتثاث منابعه الفكرية والروحية والتنظيمية.
ومن شأن الحظر الأميركي للجماعة أن يتجاوز إخوان مصر ليشمل تفرعات التنظيم الدولي في مختلف القارات وتفكيك شبكاته خاصة في أوروبا. كما يوجه رسائل قوية للدول الداعمة لهذه التنظيمات، وخاصة قطر وتركيا.
وقال البيت الأبيض الثلاثاء إن الإدارة تعمل على تصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا أجنبيا، وهو ما قد يؤدي إلى فرض عقوبات على أقدم جماعة سياسية إسلامية في مصر.
وأعلنت سارة ساندرز المسؤولة الإعلامية بالبيت الأبيض في رسالة بالبريد الإلكتروني أن “الرئيس تشاور مع فريقه للأمن القومي وزعماء بالمنطقة يشاركونه القلق، وهذا التصنيف يأخذ طريقه عبر الإجراءات الداخلية”.
ورغم أن خطة البيت الأبيض لوضع الإخوان على القوائم السوداء لا تزال تلاقي بعض الاعتراضات لدى شخصيات في الكونغرس أو في وزارات مهمة مثل البنتاغون، إلا أنها تقوم على تساؤلات بشأن تأثير القرار على الأمن القومي الأميركي، وسبل تنفيذه أكثر من كونها موقفا مبدئيا.
ويتزعم الحملة الداعمة للقرار كل من جون بولتون مستشار الأمن القومي، ومايك بومبيو وزير الخارجية، في وقت بدت فيه الإدارة الأميركية أكثر حزما وصرامة في التعامل مع الجماعات والميليشيات الإسلامية في مناطق عدة من العالم، وخاصة في العراق وإيران ولبنان وليبيا، وهو خيار يتوقع المراقبون أن يتوسع ليشمل مختلف الفروع وتعبيراتها الحزبية والدعوية والخيرية وشبكاتها المالية.
وناقشت الإدارة الأميركية مسألة تصنيف الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا بعد وقت قصير من تولي ترامب السلطة في يناير عام 2017.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها أنه إذا نفذت واشنطن فعلا هذه الخطط، ستكون لهذا عواقب واسعة المدى على أفراد وشركات على صلة بالإخوان المسلمين، موضحة أن الأمر قد يصل إلى فرض حظر بالسفر على أفراد وقيود اقتصادية.
ولن يقف قرار الحظر عند الولايات المتحدة، خاصة أن واشنطن دأبت في القوائم التي تصدرها أن تسلط عقوبات على الكيانات والأشخاص المعنيين بقراراتها، وكذلك على من يتعاون معهم من أفراد ودول، مثلما جرى الأمر مع حزب الله اللبناني، وكذلك مع الحرس الثوري الإيراني.
ويقول خبراء في الجماعات المتشددة إن وضع الإخوان على قوائم الإرهاب سيعني إجبار الدول التي لا تزال تفتح لهم مجال التحرك العلني والسري على التعامل معهم تماما مثل القاعدة وداعش، وهو ما يفرض تفكيك الجمعيات الاجتماعية والخيرية والمنابر الدعوية والتربوية والإعلامية التي يلجؤون إليها في العادة للتخفي والتمويه في سياق استراتيجية التمكين.
وسيكون هامش المناورة محدودا أمام الجماعة، كما لدى بعض الدول الإقليمية التي تستخدم فروع الجماعة في سياق توازنات داخلية، خاصة بعد أن أظهرت إدارة ترامب حزما قويا في تنفيذ العقوبات على قطاع النفط في إيران وأغلقت باب الاستثناءات في ذلك، والأمر نفسه يتعلق بحركة حماس الإخوانية في غزة، وحزب الله في لبنان الذي يجري تعقب معاملاته المالية الخارجية بدقة عالية.
ويشير الخبراء إلى أن القرار الأميركي لن يستثني التفرعات الإقليمية للجماعة بما في ذلك الجماعات التي غيرت أسماءها، أو تخلت عن شعارات الجماعة في سياق التقية وباتت تحرص على الظهور بمظهر الحزب الذي يؤمن بالمشاركة السياسية والاحتكام للقانون المدني.
ولا شك في أن التصنيف الجديد، إذا تم اعتماده أميركيا، سيتحول إلى قضية للنقاش في أوروبا وأن دولا كثيرة باتت مهيأة لتبنيه والمرور إلى تنفيذه كردة فعل متوقعة على المخاوف الأمنية والاجتماعية التي تعيشها بسبب تمدد التيارات المتشددة وتحولها إلى أجسام اجتماعية مهددة لوحدة المجتمعات الغربية وثقافتها وقيمها، وهو ما عكسته تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ أيام بشأن الإسلام السياسي وخطره.
وقال ماكرون، الخميس الماضي، “نتحدث عن الناس الذين لديهم، تحت غطاء الدين، مشروع سياسي، عن مشروع الإسلام السياسي الذي يسعى إلى الانفصال عن جمهوريتنا. وفي هذه النقطة تحديدا، طلبت من الحكومة ألا تبدي أي تهاون”.
ومن شأن الوضوح الفرنسي بشأن الإسلام السياسي أن يقود إلى فتح الأعين على الأنشطة الواسعة والمعقدة لشبكات جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا كلها، فضلا عن كونها شبكات عابرة للقارات، إذ تنطلق من أوروبا كفضاء آمن وحر لتوسيع نشاطها إلى الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا.
ويقول محللون إن إدارة ترامب تبني استراتيجية تعتمد في محاربة الإرهاب على الوصول إلى منبع الأفكار والحركات الراديكالية والقضاء عليه، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، لكن التواجد في الغرب لتلك الحركات سيكون في مقدمة اهتماماتها أيضا.
ويرى هؤلاء أن واشنطن ستمارس ضغوطا على حلفائها الأوروبيين للتضييق على الجماعة التي تشبّه شبكاتها بالأخطبوط من حيث تشابكاتها وقدرتها على التخفي. كما أنها ستمارس ضغوطا أخرى أقوى على دول إقليمية داعمة للجماعة ماليا وإعلاميا وتحولت إلى ملاذ آمن لقيادات مصنفة إرهابية وهاربة من أحكام قضائية في بلدانها الأصلية.
وسيكون على رأس هذه الدول قطر وتركيا اللتان كانت علاقتهما بالجماعة سببا مباشرا للتوتر في العلاقة مع المحيط الإقليمي.
وتصنيف الجماعة تنظيما إرهابيا قد يعقد علاقة واشنطن مع تركيا حليف الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي. وللجماعة علاقات وثيقة بحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي ينتمي إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفر كثير من أعضاء الجماعة إلى تركيا بعد حظر أنشطتها في مصر.
ويقول المحلل السياسي التركي إلهان تانير إنه ومع جميع التعقيدات الأخرى بين تركيا والولايات المتحدة حاليا (خلاف أف-35 وصواريخ أس-400، الوضع في شمال شرق سوريا، اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان)، سيمثل تصنيف الإخوان المسلمين أحدث الضربات وأكثرها خطورة على العلاقات الثنائية بين البلدين، إذا اعتبرت واشنطن حلفاء تركيا غير الشرعيين والأهم في المنطقة كإرهابيين.
سنمار سورية الاخباري – رصد – متابعات – مواقع