توقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن تنضمّ عدة دول عربية إلى ما أسماه «اتفاق السلام» بين «إسرائيل» والإمارات العربية، ولدى سؤاله عن انضمام السعودية الى هذا الاتفاق قال: «أتوقع ذلك». ورداً على سؤال آخر عن صفقة محتملة لبيع الإمارات مقاتلات «أف 35» قال بكلّ وضوح: «بالطبع لديهم المال ليدفعوا تكاليف ذلك، وهذا جميل ورائع لأننا في الماضي كنا نبرم صفقات مع دول لا تملك ١٠ سنتات ولا تدفع أبداً لأنها لا تملك المال، أما الإماراتيون فهم يملكون المال ويرغبون بامتلاك طائرات «أف 35» وهي أعظم مقاتلة في العالم وهي قادرة على التخفي الكامل.
كلام ترامب عن انضمام السعودية الى هذا الاتفاق، ينسف ما قاله وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في المؤتمر الصحافي الذي عقده في برلين والذي قال فيه: «انّ المملكة ملتزمة بالمبادرة العربية بوصفها السبيل الوحيد للوصول الى حلّ للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي ولتطبيع العلاقات بين إسرائيل وجميع الدول العربية»، وأوضح أنّ مبادرة السلام العربية التي وقعت عليها جميع الدول العربية في بيروت عام ٢٠٠٢ تضمّنت تصوّراً كاملا لإقامة علاقات بين إسرائيل وكل الدول العربية بما فيها السعودية».
كلام الوزير السعودي مقبول بالحدّ الأدنى مقابل الانبطاح الإماراتي وسعيه للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، ونحن لا نرى المبادرة العربية للسلام تحرّر الأرض الفلسطينية وتعيدها الى أصحابها شأنها عشرات الاتفاقات الموقعة مع المحتلّ والتي لم تحرّر حفنة تراب!
ويبقى الكحل السعودي أفضل من العمى الإماراتي، رغم أنّ كليهما يؤدي الى نتيجة واحدة وهي تكريس للاحتلال.
نتمنّى أن تلتزم المملكة السعودية بكلام وزير خارجيتها وتسفّه رغبة الرئيس الأميركي المأزوم وهو على بعد أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية، والأيام بيننا كما يقول الأستاذ عبد الباري عطوان.
أما حديث ترامب عن تمايز طائرة «أف 35» وتفوّقها على مثيلاتها في العالم وهي جزء أساسي في اتفاقية السلام الاسرائيلية الإماراتية ومحاولة لاستفزاز الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولا نظنّ انّ هذا الاستفزاز في مصلحة الإمارات الا اذا أرادت تكرار مراهقة صدام حسين.
اما حديث ترامب عن الذين يرغبون في امتلاك طائرة «أف 35» ولا يملكون المال، فهو صحيح ورسالة صريحة ومفادها انّ على حلفاء الولايات المتحدة ان يوفروا المال وتسديده الى الولايات المتحدة ومن لا يستطيع، عليه ان يرهن أصول ممتلكاته تحت طائلة التخلي عنها والا تركهم لمصيرهم. وهو أسلوب طبقه ترامب مع دول الخليج وتقاضى مئات المليارات من الدولارات إضافة الى عقود بيع الأسلحة، حتى لا يبقى فلس واحد من عائدات نفط الأمة. وقد ضاعفت دول الخليج مشترياتها من السلاح بنسبة ثلاث مرات وجنت أكبر ١٠٠ شركة لتصنيع الأسلحة في العالم ٤٢٠ مليار دولار، ومعظم هذه الشركات هي أميركية إذ بلغت حصة المصنّعين الأميركيين ٥٩ بالمئة من السوق العالمي، بزيادة ٧.٢ بالمئة عن العام الماضي، وتصدّرت لوكهيد مارتن الأميركية لوحدها بحصة بلغت ١١% من السوق العالمي.
إلا انّ وباء كورونا الذي ضرب أوروبا عامة والولايات المتحدة خاصة، والعالم جاء ليفسد ما خطط له البشر ويُحوّل اقتصادات هذه البلاد الى أشلاء ويعلن فقدان ٤٠ مليون وظيفة في الولايات المتحدة. وما كانت هذه الجائحة بدعاً، بل حلقة متمّمة لمئات النكبات التي ضربت البشرية في مختلف الأزمنة والعصور، ورُبّ هذه الجائحة أقلّ ضرراً من عقاب الاستئصال بجريرة ما كسبت أيدي الناس.
عمر عبد القادر غندور*
*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي – البناء