العالم كله اختبارات بيد الولايات المتحدة، لا شيء يجري عبثا بدون تخطيطها، كما لا شيء يحدث إذا لم تسبقه تجربة ما .. كاد لبنان أن يتقسم خلال حروب الآخرين عليه، بعدما سبقته قبرص في عملية تقسيمها إلى دولتين، وعليه كان على لبنان أن يأخذ الريح القبرصية ويمضي لولا عوامل أبرزها الدخول السوري على خط الأزمة اللبنانية ودوره في منع حصول ما كان مخططا ورسم على الأرض أثناء الصراع الداخلي.
اليوم اخترعت نظرية الفوضى الخلاقة، ويا لها من خلاقة، رمتها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس ومشت، تاركة وراءها لونا من تهشيم الدول وضربها من الداخل .. كما حدث في سوريا وليبيا واليمن، بعدما ثبت الأميركي قاعدة الاحتلال والاجتياح للعراق .. كل الطرق الأميركية تؤدي إلى المحاصرة والتفتيت والفوضى، إنها خلاصات العقل الأميركي الذي يتفتق دائما بجديده المؤذي للشعوب.
ولأن نظرية الفوضى أثبتت صحتها ومورست، فقد صارت خبرة مضافة لا بد من مكان جديد تنفذ فيه، وأغلب الظن أنها فنزويلا .. كل المؤشرات توحي بأن الأميركي يراهن على هذا النوع من التدخل في الشأن الفنزويلي، نقل الفوضى الخلاقة إليها قد يكون الحل الذي نسمعه من الأميركي الذي بات رمزه المنشق جوايدو سيفا مسلطا على رقاب مستقبل فنزويلا التي لم يعد أمامها سوى أن تستعد لهذا الخيار، الذي يراه الرئيس مادورو وقد بات حقيقة، ولهذا فهو يعد جيشه لمهام كبرى.
يبدو أن سوريا جديدة في أفق أميركا اللاتينية .. ولعل نظرة سريعة إلى فنزويلا تعطينا الجواب على ذلك، إذ إن أوروبا تقريبا إلى جانب الولايات المتحدة، وقسم كبير من أميركا الجنوبية إلى جانبها، وخصوصا تلك الحدودية الخطيرة مثل كولومبا والبرازيل التي يعتبر رئيسها الجديد تحفة أميركية خالصة، وأنه قد جاء إلى الحكم من أجل دور يكون فيه بمثابة تركيا بالنسبة لسوريا إذا ما احتدم الصراع على فنزويلا وتحول إلى عسكري، ويبدو أن الجيش الفنزويلي حتى الآن إلى جانب مادورو، نسخة مطابقة لموقف الجيش العربي السوري مع القيادة السورية.
توحي الصور المتسارعة أن الرئيس مادورو كان طلب اجتماعا مع خصمه جوايدو بحثا عن حل سياسي يكون خلاصا للبلاد قبل فوات الأوان، وهو ما كان فعله الرئيس الأسد تقريبا في بداية الأحداث في درعا حين كان بحثه جاريا عن إغلاق لملف الشغب ببحث سياسي والذي تسارعت فيه الأحداث إثرها، ليبدأ مقابلها عمليات عسكرية أخذت تتشعب من مكان إلى آخر داخل سوريا.
اللافت أيضا، أن الروسي الذي كان حليف سوريا ولعب دورا مركزيا إلى جانب القيادة السورية، هو ذاته صاحب الموقف المميز والصلب إلى جانب فنزويلا، بل المهدد أيضا لأي تدخل ضد قيادتها الشرعية مادورو، وربما بات جاهزا للتدخل المباشر إذا ما أخذت الأمور منحى عسكريا.. إضافة إلى الموقف الإيراني الشبيه بالموقف الروسي، والذي اعتبر وفاة تشافيز (الرئيس السابق الراحل لفنزويلا) ضربة موجعة له.
إذن فنزويلا تمشي على حد سكين الفوضى الخلاقة، خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التهديد الأميركي الأخير بالتدخل فيها .. لا شك أن للجغرافيا دورها الأكبر في اللعبة السياسية وفي الصراعات السياسية والعسكرية .. فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن فنزويلا منقسة بين معسكرين وفي مكان خطر عليها، فهذا وحده كافٍ للدلالة على نضوج الحرب الأهلية باحتضان كل قسمة فيها من قبل آخرين، وهي خبرة مستمدة مما سبق وتم تنفيذها كما قلنا في سوريا وليبيا وفي اليمن والحبل على الجرار.
زهير ماجد – الوطن العمانية
Discussion about this post