يبدو أن وزير الخارجية الأميركي “مايك بومبيو” يحمل صورة مغلوطة عن الإسلام، صورة توارثتها النخبة اليمينية الأميركية عن الإعلام الصهيوني الذي دائما ما يربط “الإسلام بالعنف والإرهاب”، ما جعله يطلق خلال كلمته بالجامعة الأميركية بالقاهرة على الإسلام أوصاف التطرف والعنف، بل ويعتبر مواجهة بعض الحركات المتطرفة التي ربط بينها وبين الإسلام إنجازا أميركيا، حيث قال نصا حسب العديد من وكالات الأنباء: “أنظروا إلى ما أنجزناه تحت القيادة الجديدة، واجهت أميركا الواقع القبيح للإسلام المتطرف”. وأضاف “لقد قللنا من خطورة الإسلام المتطرف ووحشيته”، وهي أوصاف بها الكثير من الخلط إن لم يكن الجهل بحقيقة الإسلام، وتعكس تعصب وزير الخارجية الأميركي تجاه كل ما هو إسلامي.
والمشكلة في تلك التصريحات أنها صادرة عن المسؤول الأول في وزارة الخارجية الأميركية، والذي يفترض أنه يختار ألفاظه بدقة حرصا على مشاعر الرأي العام العربي والإسلامي، أما أن يطلق تلك الأوصاف القبيحة بهذا الشكل، فإنما يؤكد ما سبق ووصفته به “ميشيل جولدبرج” في مقال نشرته مجلة “اسلیت” الأميركية، بأنه شخص متعصب ومهووس بفكرة التخويف من الإسلام أو ما يعرف بــ”الإسلام فوبيا”.
وإذا كان تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات المتطرفة أساءت إلى الإسلام والمسلمين، فإن العيب في هذه الحالة ليس في الإسلام ولا حتى في المسلمين الذين قاموا بمحاربة تلك التنظيمات جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة، خصوصا في العراق وسوريا وغيرها من الدول العربية والإسلامية بما في ذلك مصر التي تكتوي بنيران تلك التنظيمات المتطرفة، والتي هي في الأساس صنيعة الولايات المتحدة وحلفائها الصهاينة.
فالسؤال المفترض توجيهه ليس عن عقيدة أو ديانة تلك التنظيمات والحركات التي وصفها بومبيو بالفاسدة، وإنما عن سبب نشأة وظهور تلك التنظيمات؟ فتلك التنظيمات لم تظهر إلا بعد الاحتلال الأميركي للدول العربية والإسلامية بما في ذلك العراق وأفغانستان؟
إن الإسلام بريء مما ينسب إليه سواء من وزير الخارجية الأميركي أو غيره من اليمين المتطرف سواء في أميركا أو أوروبا، فقبل اتهام الإسلام يتعين النظر في السياسات الغربية والتوقف عن التدخل في الشؤون العربية والإسلامية واستنزاف ثروات الشعوب بهذا الشكل الفج الذي يضر بأمن واستقرار تلك المجتمعات.
السؤال الآخر الملح في مثل هذه الظروف: هل نجحت الولايات المتحدة في القضاء على تلك الحركات، بداية من تنظيم القاعدة التي شنت الولايات المتحدة لأجله حربا ضروسا في أفغانستان راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء، وانتهاءً بتنظيم داعش في سوريا وغيرها من المناطق الملتهبة؟ والإجابة للأسف الشديد هي لا، فتلك التنظيمات لا يقضى عليها بالعمل العسكري الذي ثبت فشله، وإنما الحل يكمن في علاج المشكلة من الجذور، تارة بتغيير السياسات الأميركية والغربية تجاه الشعوب والدول العربية، وتارة أخرى من خلال الحوار مثلما يحدث الآن مع حركة طالبان بعد سنوات من الحرب، فالفكر لا يواجه إلا بالفكر، والعنف لا ينتج إلا عنفا ودمارا يدفع ثمنه الأبرياء.
لذلك قبل اتهام الإسلام بالعنف أو بغيره من الأوصاف غير المقبولة يتعين على الإدارة الأميركية الحالية وغيرها من الإدارات والنظم والحكومات الغربية أن تراجع سياساتها، وأن تتوقف عن سياسة الكيل بمكيالين خصوصا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وأن تعمل على صيانة الحقوق العربية عموما والفلسطينية على وجه الخصوص، وأن تكف عن دعم العدو الإسرائيلي بصفقات فاشلة لا يمكن أن يكتب لها النجاح، وأن يعود الجميع إلى رشده وإلى تحكيم لغة العقل والمنطق بدلا من عمليات التهييج التي تضر بأمن واستقرار المجتمعات وتقوض مصالح الجميع وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
د. أسامة نورالدين – كاتب وباحث علاقات دولية – الوطن العمانية
Discussion about this post