سقوط ما تبقى من ورقة التوت. رجب طيب اردوغان بدا عارياً، ضائعاً، أمام دونالد ترامب: سأدمر الاقتصاد التركي !
منذ البداية، لم يفقه هذا الرجل أن زمن السلطنة انقضى منذ مائة عام . لا مكان البتة للنيوسلطنة. بيد رفع راية الطورانية. باليد الأخرى راية الاسلام.
كم بدا مضحكاً وهو يحاول أن يطرح نفسه نقطة التقاطع بين كمال أتاتورك وحسن البنا ! جنكيز تشندار الذي آثر المنفى «لأنه لم يعد لي مكان في الهواء»، تحدث عن الرجل الذي، الى النرجسية الرهيبة، مزيج عجيب من الشيزوفرانيا والبارانويا.
تذكرون خطبه النارية اليومية (وحركة اصبعه) ضد بشار الاسد، بل في وجه سائر حكام المنطقة. حتى الآن لا ينظر الى البلدان العربية أكثر من كونها ولايات عثمانية، ولا بد أن تعود الى الباب العالي.
كثيرون منا خدعوا به حين طرح مفهوماً، وأسلوب حياة، للاسلام، على تفاعل مع ديناميكية الحداثة. الاسلام البهي، الأنيق، لا الاسلام الكئيب، والجنائزي، قبل أن يظهر ببراثنه العثمانية (والسلجوقية).
الاقتصاد ما تبقى له. ترامب هدد بتدميره. التعبير كان ديبلوماسياً. المقصود «سأدمر رجب طيب اردوغان». هل من مكان للقيم في شخصية هذا الرجل، بكل مواصفات قابيل, الذي قال للرئيس السوري «أنت أخي»؟
متى كان السلطان العثماني الذي فقا أعيون ثمانية عشر من اشقائه، وقتل حتى أبناءه، يفقه ما هي الأخوة، وأي معنى لها في العلاقات السياسية؟
غريب كيف تغاضى. غريب كيف غض الطرف (والسمع) عن الكلام العاصف والمهين. أما وقد ارتعدت فرائصه، ترك الكلام للناطق باسم الرئاسة أو لوزير الخارجية، الضربة على الرأس. لا مجال للهذيان. كان يتصور أنه، بإمساكه العصا من الوسط، يلاعب البيت الأبيض، ويلاعب الكرملين في آن.
الصدمة قاتلة. منذ اندلاع الأزمة السورية، وهو يطرح نفسه على أنه اللاعب الأكبر ليس فقط في سوريا وانما في سائر ارجاء المنطقة. قلنا… الرجل الذي لا يلعب فقط داخل الخطوط الحمراء بل وداخل النيران الحمراء.
النيوسلطان الذي اعتبر أنه، بموقعه الجيوستراتيجي وبشخصيته الجاذبة، يستطيع استخدام أميركا، ثم روسيا، ثم ايران (ناهيك عن السعودية) لتحقيق مآربه بعدما دعا الى تمزيق مقررات مؤتمر لوزان (1923).
لم يصغ الى أي نصيحة لا من أحمد داود أوغلو، صاحب نظرية «النيوعثمانية»، ولا من عبدالله غول الذي كان يقول له «من الطبيعي أن تنظر الى الأعلى، ولكن أنظر الى قدميك أولاً». ما بدا، أخيراً، أن قدميه في الهباء.
لا مناص من البقاء تحت العباءة الأميركية. اتصال بينه وبين دونالد ترامب، عقب التغريدة الشهيرة. رجب طيب اردوغان بدا وكأنه يتلو فعل الندامة. لا اكتساح للأكراد، بل منطقة حدودية آمنة.
للأكراد الذين يفــترض أن يدركوا ما فعله بهم الثنائي محمد رضا بهلوي ـ هنري كيسنجر أن يدركوا ما يفعله بهم الثنائي دونالد ترامب ـ رجب طيب اردوغان. متى لم يتعامل هؤلاء معهم كوقود تكتيكي في اللعبة الكبرى ؟
تائهون في الجغرافيا. تائهون في التاريخ. اختزالاً، تائهون في الزمان والمكان.
لن ننسى، كعرب، اننا مبعثرون ما دون الجغرافيا، ما دون التاريخ. اختزالاً، مادون الزمان، ما دون المكان، والا كيف نفسر اصرارنا ان نكون الدمى، ومنذ أيام دوايت ايزنهاور، وحتى أيام دونالد ترامب؟
اللعبة، بكل تفاصيلها، في الضوء. ترامب غرد «قتالنا ضد تنظيم الدولة الاسلامية تستفيد منه روسيا وايران وسوريا». هكذا بالحرف الواحد. ألم يكن التنسيق في ذروته بين وكالة الاستخبارات المركزية والاستخبارات التركية (وذلك المال العربي) من أجل فتح الأبواب، والمعسكرات، وحتى الملاهي الليلية، أمام تلك الظواهر اللابشرية الآتية من أقاصي الجحيم؟
من لم يلاحظ كيف كانت قوافل «داعش» تقطع مئات الكيلومترات في الصحارى العراقية، والسورية، تحت أنظار الأباتشي الأميركية ؟ شهود عيان تحدثوا عن «قصف» القوافل بصناديق الكوكاكولا، وبأطباق الهوت دوغ، وحتى… بالكوكايين!
«داعش» لم يكن يوماً الا أداة في أيدي الأجهزة. حتى الساعة، لا يزال الدور اياه. أليست المساكنة (الغرامية) بين المعسكر الأميركي والمعسكر الداعشي شرقي الفرات؟
علّ الأكراد الذين وصلوا في سوريا الى أعلى المناصب، بما في ذلك رئاسة الدولة، يدركون أن ملاذهم الوحيد، والآمن، والوجودي، هو الدولة السورية؟
اذاً، ليعيدوا النظر في كل ما حصل على مدى السنوات الثماني المنصرمة لأنهم أبناء هذه الأرض، أشقاء من هم على هذه الأرض.
لا نستطيع أن نتصور الذئب الا مطأطئ الرأس أمام دونالد ترامب. الباب العالي خانعاً، متسولاّ، على باب البيت الأبيض!!
نبيه البرجي – الديار اللبنانية
Discussion about this post