قبل أن يوقع وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو مع حكومة قطر على زيادة نشر قوات أميركية في قاعدة العديد في جزيرة قطر أثناء زيارته لها ولسع دول في المنطقة، كانت الأنباء الواردة حول العراق بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقواته فيها في 26 كانون الأول الماضي ثم زيارة بومبيو لها قبل يومين، تشير إلى أن عدد القوات الأميركية الموجودة في العراق ليس خمسة آلاف بل يزيد على عشرين ألفاً وأن الولايات المتحدة ترغب في توسيع قواعدها العسكرية في منطقة الأنبار وأربيل وكركوك وزيادة عددها أيضا لتصبح تسع قواعد.
يبدو أن ما يثير الغرابة في هذا السعي الأميركي إلى زيادة عدد القوات والقواعد في المنطقة لدى الدول الصديقة أو الحليفة لها هو أنه يجري بوتيرة سريعة في ظل اعتراف الجميع بأن الحرب على داعش في سورية والعراق انتهت وهذا ما صرح به الرئيس الأميركي ترامب نفسه حين قرر سحب قواته من شمال سورية، فلماذا هذه الزيادة في القوة العسكرية الأميركية وضد أي من الدول؟
يبدو أن الكثيرين سيعتقدون أنها ضد إيران بموجب تصريحات بومبيو وتصعيد العقوبات على إيران لكن الأكثر احتمالاً أن هذه القوات لن يقتصر دورها وقواعدها في الخليج من قطر إلى البحرين إلى القواعد العسكرية في العراق، على إبراز عرض قوة أمام إيران ومحاولة تشديد الحصار الاقتصادي بحصار عسكري عليها بل إنها محاولة احتلال أميركي صارخ لكل الدول التي تقبل بزيادة انتشار وقواعد القوات الأميركية فيها.
فزيادة عدد هذه القوات والقواعد ستستخدمها واشنطن من أجل تقييد استقلال هذه الدول ومنعها من اتخاذ قرار مستقل في سياساتها الداخلية أو الخارجية بهدف منع أي دولة تنافس الولايات المتحدة في هذه المنطقة من تعبئة أي فراغ يتولد عن تراجع النفوذ والقدرة الأميركية في المنطقة، إضافة إلى تشديد الحصار على القوى الإقليمية القادرة على حماية قرارها المستقل وتحدي السياسة الأميركية ومناهضتها ويتزايد خطر هذه الإجراءات الأميركية حين نجد أن القواعد الأميركية سيتم توسيعها وبناء المزيد منها في مناطق عراقية كانت قد سعت واشنطن إلى تقسيمها بحسب المذاهب والإثنيات في أربيل والأنبار والفلوجة ثم أحبط العراقيون هذا المخطط بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق عام 2012 ويبدو أنها ستركز الآن على محاولة أخرى ربما أوسع وأشد خطراً على العراق وجواره.
أما القواعد الأميركية في الخليج وتحديدا في قطر والإعلان عن زيادة القوات الأميركية فيها بعد زيارة بومبيو فسوف تشكل موضع جدال وربما خلاف مع تركيا التي تنتشر قوات لها في قطر صاحبة العلاقات المتينة مع الرئيس التركي رجب أردوغان الذي بدأت مظاهر علاقاته مع ترامب تزداد تعقيداً وخصوصاً بعد تحذير ترامب له وتهديده بأن الولايات المتحدة ستدمر اقتصاد تركيا إذا هاجمت أكراد سورية في الشمال أمس ومع ذلك استخدم وزير خارجية تركيا في رده على ترامب لغة دبلوماسية حين قال: إن تدمير اقتصاد بلاده سيلحق الأضرار بالاقتصاد الأميركي وأن تركيا ليست ضد التوصل إلى تحقيق منطقة آمنة في شمال شرق سورية.
ومع ذلك ما زال كل من ترامب وأردوغان يحافظان على قواعد اللعبة التي اعتادها منذ عام 2018 تجاه سورية لكن عددا من المحللين في الاتحاد الأوروبي يرون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يترك ترامب يعيد تنظيم حلفائه أو أصدقائه في المنطقة على طريقته وهناك من يتوقع أن يعلن عن زيادة دعمه العسكري بالمعدات والأسلحة المتطورة لكل من سورية وإيران وهما دولتان حليفتان ليستا على غرار دول الخليج بحاجة لقوة بشرية أجنبية من الخارج، وكان قد قام بإرسال قوات جوية روسية إلى سورية بطلب منها بعد أن بدأت واشنطن بإرسال وحدات عسكرية إلى شمال سورية عام 2014 وساهم بوساطة هذا الدور بتعزيز قوة الجيش السوري وحلفائه في تحقيق الحسم ضد المجموعات الإرهابية وتحرير معظم الأراضي التي سيطرت عليها.
أما مسألة الحلف الذي ينوي بومبيو تشكيله بقيادة أميركية فإن عوامل فشله تزيد كثيراً على عوامل إمكانية تحقيقه فقد جرى في شباط 1989 بعد توقف الحرب العراقية الإيرانية تأسيس «مجلس التعاون العربي» من كل من مصر والأردن والعراق واليمن الشمالي لأن دول الخليج أو الولايات المتحدة لم تطلب منها المشاركة في مجلس تعاون الدول الخليجية الذي رعته الولايات المتحدة وفي شهر آب 1990 دفن هذا المجلس نفسه بعد أن قام صدام باحتلال الكويت فخرجت منه مصر وبقي فيه الملك الأردني حسين بن طلال والرئيس اليمني علي عبدالله صالح وانتهى وجوده بعد ذلك.
يبدو أن بومبيو يريد تأسيس حلف عسكري يجعل فيه هذه المرة الأردن ومصر قوة عسكرية مشتركة مع دول الخليج من دون توسيع مجلس التعاون الخليجي بانضمامها للمجلس الذي تريده واشنطن لها وحدها.
تحسين الحلبي– الوطن السورية
Discussion about this post