تعقد في العاصمة البولندية وارسو خلال الفترة من 13-14 فبراير القادم قمة الشرق الأوسط وإيران، والتي أعلنت الولايات المتحدة عن تنظيمها بالتعاون مع شركائها الإقليميين والدوليين بزعم الحفاظ على السلام والحرية والأمن، ومواجهة الدول التي تمارس نفوذا مزعزعا للاستقرار، تلك القمة التي تشبه تلك التي عقدت على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في بلدة ويلز البريطانية لوضع استراتيجية لمواجهة تنظيم “داعش” وذلك بمشاركة وزراء دفاع وخارجية كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا وأستراليا وتركيا وإيطاليا وبولندا والدنمرك، إلا أنهم قد استبدلوا هذه المرة تنظيم الدولة بجمهورية إيران الإسلامية، ما يعكس ازدواجية واضحة في المعايير التي تحتكم إليها الولايات المتحدة لتحديد الدول المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط من عدمه.
ولا يعرف على وجه التحديد لماذا إيران وليست إسرائيل المسؤولة عن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط؟ فإذا كانت إيران لها دور في سوريا والعراق واليمن، إلا أنها لم تقم بأي عدوان مباشر على أي دولة عربية أو إسلامية، وذلك على عكس إسرائيل التي تمثل تهديدا حقيقيا ومباشرا ليس فقط للدول العربية خصوصا سوريا ولبنان، وإنما كذلك للمصالح الغربية في الشرق الأوسط، وذلك بسبب عدوانها المتواصل على الأراضي الفلسطينية وانتهاكها الصارخ للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعدم احترامها للأعراف والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
وعلى فرض أن إيران تمثل تهديدا لبعض الدول العربية التي ترى دورها في العراق ولبنان واليمن مهددا لأمن واستقرار الإقليم، فإن المواجهة لا تكون بالعدوان ولا بالحصار الذي يدفع ثمنه الشعب في نهاية المطاف، وإنما تكون المواجهة بالفكر والسياسة، فإيران ليست ليبيا ولا “داعش”، وليس من السهولة التعامل معها عسكريا، خصوصا وأن القواعد العسكرية الغربية في مرمى النيران الإيرانية، فضلا عن أنه سبق وأن تم فرض حصار محكم عليها خلال العقد الماضي ولم تنجح الولايات المتحدة والدول الغربية في كسر إرادتها مما اضطرهم في النهاية لعقد اتفاق يقضي بوقف برنامجها النووي مقابل رفع الحصار عنها.
وبالنظر إلى التجربة الأميركية في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية لم تنجح الولايات المتحدة في تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا والعراق، بل تركت الأمور في الشرق الأوسط أكثر فوضوية. فلبنان يعاني داخليا جراء تجاذبات الفرقاء تبعا للولاءات، والعراق ممزق ما بين السنة والشيعة والأكراد، واليمن يعيش حالة حرب لا أفق لها، والسودان يشتعل بالمظاهرات التي تعيد للأذهان حالة الدول التي عاشت ما يسمى بالربيع العربي.
إذا فإن هذا التحالف الذي تحاول الولايات المتحدة تدشينه من جديد وتوجيهه هذه المرة صوب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إنما يأتي في إطار المساعي الصهيو ـ أميركية الخاصة بتقسيم وتفتيت الشرق الأوسط، بحيث تصبح إسرائيل القوة الكبرى عسكريا وجغرافيا في المنطقة، وبما أنه قد تم الانتهاء من ليبيا والعراق فإن الدور قد جاء على إيران التي باتت تمثل تهديدا ليس للاستقرار في الشرق الأوسط وإنما للمصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، خصوصا بعد أن رفضت الخروج من سوريا، وبات من الصعب التعامل معها وفقا للشروط والإملاءات الصهيو ـ أميركية.
وفي نفس الوقت، تستمر الإدارة الأميركية الحالية في استنزاف الموارد والقدرات العربية خصوصا الخليجية، وإثبات الوجود والدور الأميركي في المنطقة، بعد تراجع هذا الدور لصالح روسيا في سوريا، وإضعاف مختلف الأدوار المناوئة، ليصبح الجميع في النهاية في حالة ضعف، تتيح للولايات المتحدة وشركائها الصهاينة استكمال مخططات تقسيم المنطقة وإدخال ما يعرف بصفقة القرن حيز التنفيذ.
لذلك يجب أن تكون الحكومات العربية على وعي بخطورة المخططات الصهيو ـ أميركية، وألا يدفعها كره النظام الإيراني والرغبة في القضاء عليه، لتسهيل مهمة القضاء على الدولة الإيرانية وإدخالها أتون الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط، والتي أضعفت الجميع باستثناء إسرائيل، والتي يتوقع أن تقضي على الأخضر واليابس ما لم يستيقظ العرب ويفشلوا تلك المخططات.
أسامة نورالدين: الوطن العمانية
كاتب صحفي وباحث علاقات دولية
Discussion about this post