المشهد العالمي الحالي يُشير إلى واحدة، من الوقائع الحقيقية المهمة في عصرنا اليوم. الغرب المسمى الدول المتقدمة أي الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الغربية، لديها14 بالمئة من التعداد العالمي للسكان. هذا الغرب يتراجع كانت هذه الدول في عام 1999 تنتج 78 بالمئة من الناتج العالمي بأسعار السوق و64 بالمئة بمعادل القوة الشرائية. اليوم تنتج 60 بالمئة من الناتج العالمي بأسعار السوق و41 بالمئة بمعادل القوة الشرائية.. هذا التراجع ترافق مع فقدان المؤسسات الغربية لمصداقيتها، وصعود القوى العالمية الأخرى شرقا.. هذا الواقع يضع الغرب أمام خيارين، إما القبول بالتراجع أو الانخراط في صراع مع القوى الصاعدة قد يكون له تداعيات مُدمرة. لذا يحتاج الغرب الأميركي الأوروبي لإيجاد الطرق اللازمة لمواجهة القوى العالمية الصاعدة… وخاصة في ضوء المتغيرات التي أوصلت رجلاً يفكر بذهنية تاجر عقارات (دونالد ترامب) إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية.
مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي، أعلن أواخر 2018 نية أميركا مواجهة الصين: بشأن «تدخلها في السياسة الأميركية»، وسياساتها التجارية والاستثمارية، والسرقة المزعومة للملكية الفكرية، والأمن، والديون… بهدف «إعادة ضبط العلاقة الاقتصادية والإستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، في إطار شعار أميركا أولا.
الصين، قوة اقتصادية كبرى في العالم، وهي دولة صاعدة تواجه تحديات ضخمة بقيادة تشي جين بينج، الذي (عزز الحزب والبلد والجيش). الصين قوة عظمى، ترغب بالتأكيد على ترتيب النظام العالمي. أو هي بلد صناعي ضخم. قطاع الصناعات التحويلية يكاد يكون بنفس حجم نظيره في الولايات المتحدة واليابان وألمانيا معا. ولديها كم كبير من الأيادي الماهرة. والاقتصاد أقل اعتمادا على التجارة مما كان عليه من قبل. إضافة إلى أن الشركات الأميركية تشارك في الاقتصاد الصيني إضافة لأن الشعب الصيني، أكثر قدرة على التحمل والتحدي من الأميركيين.
نهوض الصين أمر لا يمكن وقفه. الصينيون يرون أن الغرب يتدخل في شؤون الآخرين، ويتميز بالأنانية، والنفاق، لكنه يتمتع بالكفاءة. بعد الأزمة المالية وصعود الشعبوية، هناك شك في قدرة الغرب على إدارة أنظمته الاقتصادية والسياسية. الصين تتعرض للهجوم من الولايات المتحدة. إدارة ترامب أطلقت هجوما منهجيا ذا أربعة اتجاهات ضد الصين: حول بحر الصين الجنوبي، وتايوان، والدالاي لاما، وأخطرها الحرب التجارية ومن المتوقع أن يزداد الأمر سوءًا لأن الأميركيين ينظرون الآن إلى الصين على أنها تهديد للهيمنة الأميركية الاقتصادية والعسكرية. بالمقابل أهداف الولايات المتحدة في محادثات التجارة غير مفهومة مُلتبسة. الخبراء يشعرون بالحيرة إزاء ما يريده ترامب. هل يريد التوصل إلى اتفاق؟ أم إن هدفه مجرد الصراع؟
الصين هي أيضاً شريك أساسي في ضمان عالم مسالم وتعاوني بشكل معقول ومستقر ويتمتع بالرفاهية.. القيادة الصينية «تؤمن بالدور الأساسي للسوق في تخصيص الموارد. ودور الحكومة يحب أن يكون حاسما. وان تستحدث إطارا للسوق. الحكومة تشجع ريادة الأعمال وحماية الاقتصاد الخاص». مع التأكيد على فكرة «الزعيم الأساسي» والحكومة القوية إلى جانب الحرية الاقتصادية.
تعتبر الصين برنامج «صنع في الصين عام 2025» مكسبًا للجميع في العالم، كما أن التحديث التكنولوجي في الصين غير قابل للتفاوض. وستكون بين الصين والولايات المتحدة علاقة معقدة ومشحونة على الأمد الطويل. المراقبون يرون أنه إذا سارت الأمور في الاتجاه الخاطئ، فستكون الأمور صاعقة.. المؤسسات الدولية تحذر من الآثار السلبية التي تتركها المعارك التجارية الراهنة على الاقتصادات العالمية. الخلافات التجارية دبت حتى بين أميركا وحلفائها التاريخيين،. التوتر ما زال قائما على ساحة الدول الغربية، وخصوصاً بين ألمانيا والولايات المتحدة، وهذه الأخيرة لا توفر مناسبة إلا وصبت جام غضبها على برلين لأسباب تجارية… الأضرار التي يلحقها الصراع الأميركي الصيني بإدارة الشؤون العامة العالمية والازدهار العالمي ربما تكون هائلة. قد يصبح التنافس الإستراتيجي «ساخنا» أكثر منه حرباً باردة، هذا الصراع الإستراتيجي يبدو عميقا ومستمرا. في عالم من الفوضى في سياسات القوة العظمى، مثل هذا الصراع من أجل الصدارة أمر لا مفر منه، حسب جون ميرشايمر، من جامعة شيكاغو. سياسات ترامب التجارية التدميرية تعزز الشكوك، هذا الصراع لن يدار بعقلانية وكذلك هجماته على حلفاء أميركا. الأمل في أن تستسلم الصين أو تختفي، مثلما اختفى الاتحاد السوفييتي، أمر مناف للعقل ومستحيل. وجهة نظر الإدارة الأميركية – هي أن ممارسة القوة الأميركية من جانب واحد هي كل ما يلزم – وجهة نظر خاطئة وستفشل. كما أنها لن تتمكن من تحقيق الاستقرار: إذا كانت تشك في ذلك، فيجدر بها أن تنظر إلى وضع الغليان الذي أصبح عليه الشرق الأوسط، بعد تدخلات لا حصر لها يجب أن يدرك الغرب أن تنظيم القوى الصاعدة سيظل مختلفا عن الغرب. من العبث السعي إلى إيقاف تقدم الدول الصاعدة وفي مقدمتها الصين. يجب الاعتراف بأن القوى الصاعدة منافسة، وأيضاً شريك حيوي وضروري. للحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمي. لكن الواقع يشير إلى أن فهم قيمة التحالفات. تحت رئاسة ترامب مسألة مثيرة للجدل، وان الدول الغربية خسرت الثقة بما يُسمى قيم الحرية والديمقراطية. قال ريكس تيلرسون وزير خارجية ترامب السابق العبارة التالية عن دونالد ترامب: «من الخطر أن يجلس على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض رجل يفكر بذهنية تاجر عقارات؟… » هل ستثبت الوقائع صحة كلام تيلرسون؟ من الضروري للغربيين أن يدركوا أن عدوهم الأكبر أصبح عجزهم عن إدارة شؤون بلدانهم على النحو السليم. في الوقت نفسه، المستقبل الوحيد لعالم مستقل لا بد أن يكون مبنيا على الاحترام المتبادل والتعاون متعدد الأطراف. ننتقل اليوم من ماض كان يسيطر عليه غرب إلى ما يمكن تسميته: (ما بعد هذا الغرب).
قحطان السيوفي – الوطن السورية
Discussion about this post