أسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك أستعجب – مثل
عندما بدأ نظام مبارك بالترنح، اتصل أوباما بمبارك هاتفيا ونصحه بالتنحي، فرد مبارك بأن كل شيء تحت السيطرة، فحذر أوباما قائلا سأتركك للغد لتفكر وسأعاود الاتصال بك، فأنهى مبارك المكالمة بقوله: لا تتصل! كانت آنذاك كلينتون في القاهرة تحاول دعم بقاء مبارك!
مخطئ من يعتقد أن قرارات الرئيس الأمريكي نافذة، كثيرا ما تنتصر إرادة إدارته أو الدولة العميقة على إرادة الرئيس، وظهر ذلك جليا إبان الثورة المصرية فالرئيس أوباما أراد للشعب المصري الديمقراطية وإفراز الرئيس الذي يريدونه بغض النظر عن انتماءاته، أما إدارته فقد اتخذت قرارا باستمرار الحكم العسكري للبلاد، وهذا يجيب على الكثير من الألغاز التي حدثت إبان وبعد الثورة المصرية.
يشرح مراسل نيويورك تايمز الذي كان شاهد عيان للثورة المصرية ديفيد كيركباتريك هذه الفكرة بتوسع وبتفاصيل كثيرة في كتابه في أيدي الجنود، Into the hands of the soldiers – David Kirkpatrick .
وأعتقد بأن صراع الإرادة هذا يتكرر هذه الأيام مع تصريح ترامب بالانسحاب من سوريا، فالرئيس ومنذ بداية العام يتحدث عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وفي شهر آذار بينما كان الرئيس يصرح بالانسحاب كان جيشه يضرب القوات السورية، بل وحسب تقرير موسع في مجلة تايمز في عدد آذار الماضي فقد كان تعداد القوات الأمريكية في سوريا يزداد.
ثم قرر الرئيس قبل أسابيع قليلة سحب قواته من سوريا، فاستقال وزير دفاعه، أما أعداؤه الديمقراطيون فدعموه، وعلق بولتن مستشاره للأمن القومي أن الانسحاب يشمل فقط شمال سوريا وستبقى القوات في الجنوب إلى أجل غير مسمى، ثم صرح بولتن أنه سيخبر أردوغان ونتنياهو أن الجيش الأمريكي باق طالما بقيت داعش، بل وسيتوسع نشاط الجيش الأمريكي ليضرب داعش داخل الأراضي العراقية، فيما كان يصرح وزير الخارجية بومبيو من عمان والقاهرة أنه لن يبقى جندي واحد في سوريا خلال أسابيع ولكننا سنبقى قريبين!
ثم زار بولتن تركيا واشترط لانسحاب الولايات المتحدة أن تحمي تركيا ألد أعدائها، حلفاء الولايات المتحدة، الأكراد، وهذا شرط تعجيزي ندد به أردوغان ورفض مقابلة بولتن. ولم يؤثر هذا على وزير الخارجية الذي قال سننسحب على أية حال.
وبعد أن قابل السيناتور جراهام لندسي الرئيس صرح بأنه حصل على وعد من الرئيس بأن الانسحاب سيكون بطيئا وذكيا، وكانت السعادة بادية على وجه السناتور المؤيد لحروب الولايات المتحدة في العالم.
تصريح ترامب بالانسحاب هو استحقاق انتخابي وعد به قاعدته الانتخابية، ووفاؤه بالوعد سيسعدها ويعزز فرصه في فترة رئاسة ثانية، إلا أنه اصطدم بالدولة العميقة كما حدث مع سلفه فبدأ بالتراجع عن تصريحه، وسهل للصهاينة ضرب المعسكرات الإيرانية، ثم قال إنني لم أقل أن الانسحاب سوف يكون سريعا، وكان قبلها قد وصف الانسحاب بأنه آني وسريع.
الحرب التي نشهدها الآن أوسع من معركة سوريا، بل ثمة معارك أخرى بين الرئيس وبين عبيد الماكنة العسكرية الامبريالية الأمريكية، والسؤال يتجاوز نوايا ترامب وقدرته على سحب قواته ليشمل قرار الدولة العميقة بتقليص تدخلاتها العسكرية في العالم أو الاستمرار فيها.
الدستور الاردنية – اسماعيل الشريف
Discussion about this post