كان الترداد قويا ذا مناخ سياسي مؤات حين لفظ كثير من العالم عبارة “يا عمال العالم اتحدوا” ثم أضيف عليها “ويا شعوب الأرض المضطهدة اتحدوا” .. كانت مرحلة فيها إشارات عديدة على أن الصراع قائم، وأن جوهره تلك الأيادي العاملة التي هي في الحالين سواء المضطهدة أو العاملة.
كانت الجملة مفرحة، وكان لها قادة كبار وأفكار عظيمة في وقتها، وكانت السلم الذي سيرفع تلك الطبقة إلى لعب دورها المخلص من الامبريالية التي هي أعلى مراحل الرأسمالية كما كان يقال.. ويوم أثلج صدرنا تشي جيفارا بتبنيه العملي لتلك الأفكار والذهاب بعيدا لترتيب التحدي الفوري، تأملنا خيرا، ولم نكن نظن أن مقتل القائد سيؤدي إلى احتضار الفكرة أحيانا، وربما دائما.
لم تمت الفكرة، ظلت عنوانا تحول إلى إبهام، لكنه كان مدرسة علمتنا أن الفكرة عندما تبذر في عقول الناس يصعب محوها .. فلماذا لا نطوعها بالتالي لنقول “يا شعوب العرب اتحدوا” .. هنا نقع في المشكلة عندما نتواجه مع الشعوب بتلك الأريحية المحبة لها، وهي التي قد لا نعرف بوصلتها جيدا .. فكل منها تربى على قيم وأفكار ومبادئ وتصورات، وكل منها وجد نفسه في معركة مختلفة عن الآخر.
العرب أمة عندما نعني بها الشعوب، كانت وبقيت وستظل .. لكنها لن تتحد على ما يبدو .. تجربة وحيدة يتيمة من الوحدة لم تكمل عامها الرابع، تم ضربها بقوة فكسر ظهر جمال عبد الناصر قائدها، وذاك الرجل الكبير شكري القوتلي، رئيس سوريا آنذاك، وهو من تنازل بملء إرادته عن رئاسته لسوريا لتحقيق الغاية الشعبية التي كانت في أوجها.
إذا كان لدى العرب ميول وحدوية فلماذا لا تتحقق .. إذا وقع عليها ضرر الانفصال في تجربة الوحدة السورية المصرية عام 1958، فليس يعني أنه خيارها الأخير، عندما نسترجع صور ذلك الزمان يتبين لنا ذلك الدفق الجماهيري الذي تجمع حول عبد الناصر في دمشق حتى وصل الأمر إلى ما قامت به تلك الجموع من حمل سيارته الضخمة والمضي بها أمتارا ليست قليلة. جن السوريون والمصريون وكل العرب في تلك المرحلة وهم يعيدون ترتيب أوراقهم المنسية، بمعنى أنها كانت موجودة ثم طواها الزمن لكنها ظلت هاجسا وصدى تنتظر من يعيدها.
كم نحن بحاجة اليوم إلى إطلاق مثل هذا الشعار، لو أنه كان منفذا وموجودا لما حدث ما يحدث، الناس بعفويتها الصادقة تحمي منجزا من هذا النوع، الوحدة درع مضاد للأخطار الداهمة وهي كثيرة على الأمة، وستظل إلى أن يزول الكابوس الصهيوني عن صدرها في فلسطين.
أعرف أني أحرث في الصخر، وأن كثيرين سيضحكون سخرية من كلام خشبي مر عليه الزمن وهرسه بل طحنه ورماه في مياه الأنهار فذاب.. لكن في الإعادة إفادة لمن يقبلون، ولمن ما زال لديهم هذا الإحساس وهم كثر.
وأعرف أن أجيالا تأمركت، فقدت حسها عندما سيطرت عليها الأمركة لغة ثم إحساسا .. وأن أميركا في عرفها جنة الجنات كما قال لي شاب في عمر الورود حصل على فيزا أميركية. للأسف أن هذا العالم اليوم وخصوصا العرب ارتبطوا بإعلام العالم، دجنهم التلفاز والإعلام كافة فصاروا حالمين بعالم خارج بلادهم، هذا إذا أضفنا صورة بلادنا العربية اليوم وما آلت إليه من محن ومصائب.
زهير ماجد الوطن العمانية
Discussion about this post