ليس من المنطقي أن تكتب بعض الصحف أن جامعة الدول العربية “تسمح” لسوريا بالعودة إليها .. الجامعة مكون من أقطار عربية منها ما هو مؤسس ومنها ما هو صار عضوا في مراحل لاحقة .. سوريا مع بعض الأقطار العربية أسستها، ولها بالتالي أن لا تغيب إطلاقا عنها .. كانت عملية إخراجها مسرحية مدانة لا تروق لأي عروبي، هي صدمة للروح القومية، من المؤسف أن يتحمل العرب ابتعاد سوريا عنهم كل تلك السنين.
لكل عربي هويته الخاصة التي يحملها، ونحن كعروبيين لا نهتم كثيرا بهذا النوع من الانتماء، لكننا نرضى ولو بشكل مؤقت، أن يكون الانتماء الروحي لسوريا إلى جانب الهوية المفروضة علينا جميعا.
فسوريا قلب العروبة النابض، حيوية تاريخية تستند إلى قيم نضالية، إضافة إلى كونها بلاد الشام التي يفترض لها أن تغمر أقطارا عربية محسوبة على هذا المفهوم والمعطى. وبقدر ما هي بلاد الشام الساحرة بموقعها وجغرافيتها وإنسانها، فهي أيضا مهد الفنون والطريق إلى معرفة تعدد مراحل من تعاقبوا عليها. لهذا نفهم الشاعر سعيد عقل حين يسأل “شآم ما المجد .. أنت المجد لم يغب” أو أحد أشعاره التي فيها ذلك الوصف المعنون بذكرها فيقول “هنا الترابات من طيب ومن طرب/ وهل في غير شام يطرب الحجر” .. إلى أن يرفعها إلى تاريخها حيث كانت بقوله “أمويون فإن ضقت بهم/ الحقوا الدنيا ببستان هشام”.
كيفما قلبنا منطق الأمور فغير المسموح لأي كان ولاية جهة أن تستعمل كلمة “السماح” لسوريا بالعودة إلى جامعة الدول العربية التي اهترأت مع الزمان العربي الذي أصابها بما أصيب به من تراجع وتخلف وتبعية .. لا شك أن الظروف قست على سوريا وعلى أقطار عربية أخرى، فلماذا تم اختيار سوريا لتخرج منها قسرا وبمسرحية كما قلنا فيها الكثير من التشويق الدرامي، وبعملية إرضاء للبعض الذي كان معروفا أنه لن يقبل مثل هذا التصرف.
خلال سنوات إخراجها من الجامعة، قدمت سوريا عرضا مشوقا للذين ظنوا أنها أسابيع أو شهور قليلة ولسوف تسقط كغيرها .. كانوا يأملون بسوريا “جديدة” لا تشبه سوريا المفترضة أن تكون دائما وهي التي قدمت مسيرة السنوات الثماني بإرادة حديدية وبتضحية في أعلى درجاتها، وتمكنت من أن تفرض انتصاراتها على الواقع العربي، وأن تقدم حالها طوال صراع مع الإرهاب ومع مموليه ومع القوى التي قدمت نفسها علنا بأنها الداعمة له.
ربح السوريون معركة البقاء، ولولا ذلك لما يقال اليوم بعودتها إلى الجامعة، بل كان لا بد أن ترفض من العودة بمنطق السماح لها، بل تترك لها ظروفها الوجيهة أن تختار التوقيت الملائم الذي يحمي على الأقل موقعها كدولة عظمى في هذا المشرق الخربان، فالمسألة في الأساس كرامتها، ومن ثم حجم واقعها الذي فرضته خلال تلك السنين وعناصر القوة التي أظهرتها في نظامها ودولتها وجيشها المظفر وشعبها ومؤسساتها.
وربحت سوريا أن أعادت دورة تاريخها كقيمة تمثل بلاد الشام التي غزاها كثيرون لكنهم كلهم خرجوا بالسيف وبالجهاد الدائم الذي لم يتوقف.
شرف كبير لهذه الجامعة أن يعود لها بلد منتصر، والمنتصرون هم دائما من يجب لهم إدارة الواقع وكتابة التاريخ الذي كان والذي سيصير غدا.
زهير ماجد – الوطن العمانية
Discussion about this post