كلنا لا نملك المعلومات الدقيقة عما يدور بين الرؤوس الكبيرة المتداخلة في الملف السوري، لكنن بحكم الخبرة والقليل من المعلومة نحلل ونكتب.. دخول الجيش العربي السوري إلى منبج لم نقرأ عن امكانية حصوله في أية صحيفة أو معلومة متطايرة، على عكس ذلك، كانت المعلومات تشير إلى اتفاق أن يظل هذا الجيش بعيدا عن داخل المدينة ثلاثة كيلومترات ومثله الجيش التركي.. في كل الأحوال هنالك ما قد تجاوزنا في الميدان، وهو في النهاية الحكم والحاكم، وعليه تبنى كل السياسات اللاحقة.
من افكار تلك الحرب الكونية على سوريا انها فتحت الأعين على مدن وقرى وريف سوري.. صرنا جميعا نحفظ أسماء لها لا تخطر على بال.. وبالتدقيق، سوف نحصل على ثروة من المعلومات لما لبعضها من دور في تاريخ المنطقة، فبلاد الشام عموما تعرضت للكثير من الغزوات وهنالك قصص لا تنتهي عنها. وحين سئل يوما الرئيس الراحل حافظ الاسد عما يشكله وجود الجولان في جنوب سوريا، رد بالقول انه في بلاد الشام وليس في جنوب سوريا بل في قلبها.
كان تصور العرب لعاصمة الأمويين انها الأجمل من كل ما عرفوه من مدن واماكن ولما لها من صيت لم تبلغه اية مدينة. اما منبج تلك، فهي أقدم المدن، بل انها مسقط رأس ثلاثة من كبار شعراء العرب وهم أبو فراس الحمداني والبحتري وعمر أبو ريشة.. ولعلنا نتذكر جميعا الصراع بين الشاعر أبي فراس وسيف الدولة الحمداني الذي قال في مطلع احد قصادئه ” لولا العجوز بمنبج / ماهبت اسباب المنية “.. وعلى ضفاف نهر الفرات ويقال في منطقة الرقة انشئت علامات مهمة، اذ قيل ان بستان هشام بن عبد الملك الأموي الذي بلعت الحضارة الاسلامية ايامه اتساعها، كان له بستان من أجمل وأعظم ما يحتويه من فاكهة بلغت شهرته حتى الصين فجاءه التجار والزراع يتعلمون زراعة تلك الانواع، وهذا ما دفع الشاعر سعيد عقل الى قوله المتمايز ” امويون فان ضقت بهم / ألحقوا الدنيا ببستان هشام “. وعلى الفرات ايضا وبالقرب من الرقة هرب آخر حكام الامويين عبد الرحمن الداخل أو صقر قريش عابرا النهر ومعه شقيقه، الذين لاحقوه اغروا شقيقه بالعودة اليهم وانهم لن يمسوه، وحين صدق وعبر النهر اليهم قطعوا رأسه على الفور مما حدا بالصقر الى الهروب وظل يتنقل بين المدن والأماكن حتى وصل الى اسبانيا وهناك اقام اعظم حضارات التاريخ في الاندلس.. ولعل الوقت لا يتسع لذكر ما هي حلب وحماه وبصرى الشام التي انطلق منها خالد بن الوليد في معركته الحاسمة اليرموك والكثير من مدن وقرى وارياف بلاد الشام.. لكننا لن ننسى اطلاقا قرية مرج دابق التي وقعت فيها اكبر معارك التاريخ بين الجيش العثماني الحديث المدجج بالسلاح الجديد، وبين المماليك الذين جاؤوا بحملتهم من مصر فسقطوا امام الغازي العثماني مما ادى الى تغيير كبير في المنطقة كلها حيث دام الوجود العثماني اربعمائة سنة بالتمام والكمال.
في منبج اذن وقبل ساعات تغيرت موازين أيضا، عندما يجلس كبار القوة للتفاهم تتغير الصورة، لكن ليس هنالك عطاء في السياسة بالمجان، طالما ان كل قوة تفتش عن مصالحها.
زهير ماجد – الوطن العمانية
Discussion about this post