يزداد يوماً تلو آخر عدد المسؤولين الأميركيين الذين عملوا سابقاً في الإدارات الأميركية وأصبحوا ينتقدون ويستنكرون مواقف إدارة الرئيس جو بايدين التي تدعم إسرائيل من دون أي تحفظ وتدافع عما ترتكبه من جرائم حرب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، ومن بين هؤلاء المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية جيمس دبليو كاردين الذي نشر مقالاً في المجلة الإلكترونية «ذا أميركان كونسيفاتيف» واسعة الانتشار في الثالث من شهر أيار الجاري يدين فيه سياسة الرئيس الأميركي جو بايدين ووزير الخارجية أنتوني بلينكين التي تدعم كل ما تنفذه إسرائيل من عمليات عسكرية ضد قطاع غزة، ويقول كاردين: «سيسجل التاريخ أن الاثنين كانا من الذين حرضوا على تحويل قطاع غزة إلى مسلخ، وسيذكر التاريخ أن أيديهما ملطخة بدماء المذابح على غرار ريتشارد نيكسون وهنري كيسينجر في فيتنام، بل إن بايدين وبلينكين تفوقا على نيكسون وكيسينجر لأن الأخير أمر في إحدى المناسبات بإعادة مراجعة العلاقة الخاصة مع إسرائيل، في حين لم يفعل ذلك أي منهما حتى الآن، وأكد كاردين أن جميع الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل أصبحت موثقة هي ووسائلها ونتائجها الأشد فتكاً عن طريق «أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الذخائر والصواريخ التي تستخدمها الطائرات الإسرائيلية» لترويع وإرهاب الفلسطينيين بقتل أكبر عدد منهم وبتدمير بيوتهم بشكل شامل، ويشير كاردين إلى أن بايدين وبلينكين تجاوزا ضرورة خضوع هذه الأنظمة لقانون يقيد ويمنع استخدامها ضد المدنيين.
يؤكد كاردين أنه «لو كان الاثنان جادين حقاً بإيقاف المذابح في القطاع لقررا تطبيق القانون الذي يحمل رقم 6201 من التشريع الخاص بالمساعدات الخارجية، وهو الذي يمنع تقديم الدعم العسكري للدول التي تعرقل وتمنع المساعدات الإنسانية». ويذكر كاردين أنه «في شهر آذار الماضي قامت مجموعة من أعضاء الكونغرس ومجلس النواب الديمقراطيين برفع مذكرة للرئيس بايدين بضرورة فرض هذا القانون على حكومة بنيامين نتنياهو بهدف تغيير سياسته التي تمنع وصول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة»، ومع ذلك لم يقم بايدين بتلبية هذا الطلب كما لم يفرض قانوناً آخر يسمى بقانون «ليهي» الذي يفرض شروطاً تتعلق بإيقاف إرسال السلاح للحكومات التي تدان بارتكاب جرائم حرب واضحة ضد الإنسانية في عملياتها وبخاصة بعد صدور قرارات الإدانة التي اتخذتها محكمة الجنايات الدولية بحق إسرائيل، ويكشف كاردين أن «هناك 90 محامي دفاع ورجل قانون وهم موظفون في إدارة بايدين يعدون مذكرة للمدعي العام الأول الأميركي ميريك غارلاند يطالبونه فيها بإصدار قرار بإيقاف الدعم العسكري عن إسرائيل لأنها انتهكت القوانين الأميركية بما في ذلك قوانين «ليهي» وميثاق جنيف بسبب عمليات القتل التي تقوم بها ضد المدنيين».
يدين كاردين كلا من بايدين وبلينكين اللذين يعدان خاضعين للقوانين الدستورية الأميركية ومطالبين بتطبيقها، ولا شك أن هذه المواقف الأميركية الرسمية المتواطئة علناً وبشكل مستمر حتى هذه اللحظة ليست جديدة ولكنها رغم ذلك تتضمن ما يشجع على استخدام القوانين الأميركية نفسها وليس فقط قوانين محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة بايدن وبلينكين ووزير الدفاع الأميركي جون اوستين رغم أن الولايات المتحدة ليست عضواً من بين الدول المئة وأربع وعشرين دولة الأعضاء في هذه المحكمة، لكن المهمة صعبة والمحكمة تستعد لخوضها ضد إسرائيل بل وضد أميركا أيضاً.
ويذكر أن وزير الخارجية الأميركي السابق مايكيل بومبيو كان قد هدد في 15 آذار 2019 قضاة محكمة الجنايات الدولية بفرض مقاطعة أميركية على عدد منهم ومنعهم من الحصول على تأشيرات دخول للولايات المتحدة إذا أصروا على تقديم مسؤولين أميركيين للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أفغانستان قبل الانسحاب منها، وقام بعد عام بتسمية بعض القضاة المستهدفين لتخويفهم، ويبدو أن هذه السابقة الإرهابية هي التي دفعت نتنياهو إلى إطلاق تهديدات مبطنة لقضاة محكمة الجنايات الدولية حين ذكرت الأنباء عن إعداد المحكمة لأمر قضائي باعتقاله هو ووزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هيرتسي هاليفي، لكن المحكمة سارعت إلى إصدار بيان رسمي تعلن فيه أن من يهددها تعده قد ارتكب مخالفة جنائية تستوجب محاكمته ومعاقبته، ومن المتوقع أن تشهد الأيام أو الأسابيع المقبلة تطورات متلاحقة في موضوع محاكمة عدد من المسؤولين الإسرائيليين لارتكابهم جرائم حرب موصوفة لإبادة شعب.