اعلنت الولايات المتحدة الامريكية ليلة امس عن انسحاب قواتها من سورية و بالتحديد من شرق سورية و مثل هذا الاعلان صدمة للكثيرين نظرا لتعارضه مع السياسة الامريكية التوسعية في العالم اجمع ، و السؤال الذي يطرح نفسه الآن لماذا اعلنت امريكا انسحابها من شرق سورية بشكل مفاجيء ؟
لكي نعلم لماذا اعلنت امريكا انسحابها من شرق سورية يجب ان نعلم كيف يفكر بوتين ذلك الداهية الذي ينقض علي فريسته كالوحش الكاسر عندما يجد ثغرة يستطيع الدخول منها ، بوتين يدرك انه لا يستطيع مواجهة الولايات المتحدة عسكريا و يدرك ان الحرب الشاملة معها ستدمر الولايات المتحدة و روسيا معا لذلك يعمل علي تجريد الولايات المتحدة من ادواتها في المنطقة و منها تركيا و ينتظر حدوث اي خلل في العلاقة بين الولايات المتحدة و ادواتها ، فالخلل الذي حدث في العلاقة بين الولايات المتحدة و تركيا هو دعم الولايات المتحدة للاكراد الذين يهددون وحدة تركيا و امنها القومي ، و هذا ادي الي حدوث توتر كبير بين الولايات المتحدة و تركيا ، قام بوتين بتوظيف هذا التوتر عبر عرضه بيع منظومة اس ٤٠٠ للدفاع الجوي المتطورة الي تركيا مستغلا رفض امريكا تزويد تركيا بمنظومة دفاع جوي متطورة و عزز التبادل التجاري مع تركيا و جذبها و اجبرها علي احترام سيادة الدولة السورية و حق الشعب العربي السوري في تقرير مصيره و ان الحكومة السورية الحالية وفق الدستور السوري و وفق القانون الدولي هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري .
من هذا المنطلق وجه بوتين صفعة قوية لامريكا عبر تجريدها من اداتها الاطلسية الضاربة في المنطقة و مع خفوت هالة الكيان الصهيوني الذي تم فضح امره بأنه كيان هش ، قررت الولايات المتحدة العمل علي استعادة اردوغان للحضن الامريكي مرة اخري و اردوغان مستعد لذلك فتقاربه مع الروس ليس عن قناعة استراتيجية بعيدة المدي بل من اجل ابتزاز الولايات المتحدة و الضغط عليها و تحقيق مكاسب في قضايا الاكراد و الصراع علي النفوذ مع السعودية و مقتل الصحفي جمال خاشقجي ، لذلك قررت امريكا الانسحاب من سورية و التخلي عن الاكراد من اجل ارضاء اردوغان و جعله يعود للحضن الامريكي بعد تنفيذ مطلبه بعدم دعم الاكراد شرق سورية لانهم يهددون وحدة تركيا و امنها القومي و يعتبر الانسحاب الامريكي من اجل ارضاء اردوغان هو للرد علي محاولة بوتين تجريد امريكا من الاداة التركية و منع بوتين من تفكيك التوظيف الامريكي للاداة التركية في المنطقة و هذا ما يفسر تصريح قيادات البنتاجون انه سيتم تسليم تركيا صواريخ باتريوت المتطورة لمنعها من شراء صواريخ اس ٤٠٠ من روسيا حتي لو لم يوافق الكونجرس علي ذلك !
و هو امر غير مسبوق في الولايات المتحدة ان تعلن مؤسسة هامة مثل البنتاجون انها ستفعل شيء حتي لو لم يوافق الكونجرس عليه ، و تصرف البنتاجون يأتي في سياق الرد الامريكي علي مخطط بوتين بتجريد امريكا من اداتها التركية
و لكن يجب الاشارة الي نقطة هامة و هي ان اعلان ترامب سابقا رغبته في الانسحاب من سورية كان لدوافع اقتصادية بحتة فهو كان يريد تقليل نفقات القوات الامريكية حول العالم و كذلك في سورية اما اعلان امريكا انسحابها من سورية الان هو لدافع استراتيجي بحت و هو بقاء تركيا اداة امريكية في المنطقة و رأس حربة للمشروع الامريكي و الجميع يعلم كيف سمح اردوغان للمخابرات الامريكية بالسيطرة بشكل شبه كامل علي جنوب سورية من اجل دعم الجماعات الارهابية في شمال سورية .
و ليس صحيحا ان الولايات المتحدة باعت الاكراد لانها لم تشتريهم من الاساس بل استخدمتهم كورقة لتحسين موقعها التفاوضي في التسوية السياسية للازمة السورية عبر امساكها بالورقة الكردية التي تهدد وحدة سورية و ليس سورية فقط بل ايران و تركيا ايضا ، لتجبر الدول الضامنة لمسار استانة علي التنسيق معها من اجل تسوية الازمة السورية عبر ان تتخلي عن مخطط تقسيم سورية مقابل ادخال ادواتها في اللجنة الدستورية لصياغة دستور جديد للدولة السورية ثم عرضه للاستفتاء علي الشعب العربي السوري ، و الولايات المتحدة سبق و ان استخدمت ورقة الاكراد و رمتها لاحقا عندما سمحت لاداتها اردوغان باقتحام عفرين سابقا و ارتكاب فظائع بحق الاكراد .
فالخلاصة ان الانسحاب الامريكي من شرق سورية هدفه الرئيسي ارضاء اردوغان و احباط مخطط بوتين الرامي الي تجريد الولايات المتحدة من اداتها التركية و جذب تركيا للمحور الروسي الصيني الايراني و هو ما بدأ يحدث بالفعل ، فاستشعرت الولايات المتحدة الخطر و قررت التخلي عن الاكراد نهائيا و عمليا و التراجع عن تهديد وحدة تركيا و امنها القومي ، و اردوغان ليس لديه مشكلة في العودة للحضن الامريكي بشكل كامل بشرط تحقيق اهدافه و هي تخلي امريكا عن الاكراد و تسليمها منظومة دفاع جوي متطورة من نوع باتريوت فضلا عن تحقيق مكاسب اقتصادية من السعودية لاغلاق ملف الصحفي جمال خاشقجي نهائيا و كما قال وينستون تشيرشل ( في السياسة لا وجود لعدو دائم او صديق دائم بل مصالح دائمة ) .
احمد عادل – كاتب وباحث مصري – خاص
Discussion about this post