كل عربي يحمل عنوان “شيء في صدري” المأخوذة عن رواية الكاتب المصري إحسان عبد القدوس .. هي قصة الإحساس الذي يرافق المرء منذ نعومة أظفاره وحتى شيخوخته، ووفاته، والذي يثبت عليه، فكيف يمكن لهذا العربي بالتالي أن يؤمن بأن الدنيا المحيطة به سوف تتجه نحو الأحسن وهو منذ سنوات عمره الأولى ولد على اضطراب، ونما على قلق، وراهق بخوف، ووصل إلى مرحلة التفكير الذاتي بعدم حسن الأمان المستقبلي.
خريطة حياة العربي اليوم مليئة على ازدياد، كيفما وضع إصبعه سيأتيه جواب غير سار .. ومع ذلك يحلم أن تتوقف الحرب في اليمن التي ألهبت المشاعر لما حملته من عذابات أطفال وكبار وانتهاك للحرمات وتحقير للإنسان .. في اليمن اليوم أعنف تجربة إنسانية لم تحصل من قبل في قرننا الحالي وربما ما قبله .. هنالك بشر يتأوهون من نار الحرب، أو من نار المرض، أو من الجوع .. ملايين تعيش على تلك الحدود وليس من يسأل .. هي لعنة ضمير، وإذا ما توفر هذا الضمير فمن أين نأتي به وهو لا يمكن شراؤه بكل العملات الصعبة أو السهلة؟
وفي سوريا توقف القتال كاستراحة للمحارب، ثمة من يلعب بالنار تحت ظنون القوة وإلغاء الجغرافيا. هي مشاعر تركية من عصر مضى، وأحاسيس أميركية لم تتعلم بعد رغم كل ما جرى لها ماضيا وحاضرا أنها تجلس فوق لغم لا تعرف متى ينفجر بها، وأن عيون الجيش العربي السوري تبحر كل يوم وكل ساعة ودقيقة إلى الأرض المكملة لجغرافيا بلاده. كل من هو في مكانه اللاطبيعي سيدفع ثمن تجاوزات الأصول، المكان الأصيل عندما يثور على الغرباء سوف يجعلهم يندمون على كل ما اقترفوه من تجاوزات.
ويلتفت العربي إلى ليبيا التي تتخبط في رسم عودتها إلى طبيعتها .. ذهبت ليبيا أبعد بكثير من تصفية نفوذ مع معمر القذافي وأسرته، فكانت أن حطمت قواعد وطن وأرض وشعب، وهذه ثمة من لا يعرفها عندما تأتي ساعة الحساب الحقيقية. لذلك تبدو ليبيا وكأنها تأكل ذاتها وتعجن أفكارا بالدم وتريد ابتلاع التاريخ وليس من السهولة ابتلاعه.
وفلسطين الحبيبة التي تقف شاهدة على قبح الإنسانية تجاهها، ولد العربي وهي في دماغ أبيه وجده، وانتقلت بالوراثة إليه .. ذات يوم حمل السلاح من أجلها، واليوم ممنوع عليه، ومع ذلك فهو يتجاوز دائما تلك الممنوعات، يمارس جمال ما يفكر به من مقاومة، أشكال مختلفة تطرأ على باله، المقاومة في فلسطين علم صنّاعه الأوفياء لبلادهم، فكيف بإمكان الإسرائيلي أن يظل يفكر بالبقاء في جغرافيا ليست له، تكرهه، يعيش فيها خطرا دائما، وفيها مستقبله المجهول بل إحساسه بالزوال .. هو يفرح بإنجازات تتحقق لكنها عملية إرضاء وتدلل يصنعها الأميركي له حافظ سره وأسراره منذ أن اجتاح صاحب الأرض ورماه في ذلك الشتات.
وكثيرة هي أفكار العربي في هذه الدنيا الواسعة والضيقة في آن واحد، الحاملة لتلك البلاد التي تتغير وتتبدل ولا يبقى فيها من كان ذات يوم صاحب موقف .. كانت إفريقيا كلها مع عبد الناصر ولم يكن يعترف بإسرائيل منها أي بلد، اليوم هنالك خمسون بلدا فريقيا اعترف بإسرائيل والحبل على الجرار، وبقية العالم أيضا يتغير، لكن العرب يمرون بتجربة لها الكثير من صوت الماضي
زهير ماجد – الوطن العمانية
Discussion about this post