لعل جل ما يقدمه القلم من خدمة للفرد والمجتمع حينما يطبع حبره على الورق، أن يلامس واقع النداءات الصادرة عن معاناة الناس ومطالبهم ضمن هذه البوتقة الحياتية الضيقة اجتماعياً، والخانقة اقتصادياً ومعيشياً، وحبرنا اليوم سيرصد مسألة تتفاقم في مجتمعنا بشكل ملحوظ، وتنشر مفرزاتها السلبية والتي ازدادت بشكل خاص خلال الأزمة، حيث لم يعد بالإمكان إيجاد شريك الحياة الزوجية بسهولة، لا سيما بعد استشهاد الكثير من الشبان أو هجرتهم خارج البلاد، أو قلة حيلتهم.
يتقاضى اليوم الشاب السوري راتباً لا يكاد يطعمه، في الوقت الذي لا يتوفر فيه ذاك الراتب لعدد كبير من الشبان الذين يغرقون في قاع البطالة باحثين عن عمل –رغم شهاداتهم- دون جدوى، وهذا بدوره يؤدي إلى أمور خطيرة تحاوط مجتمعنا وهو بالغنى عنها، فلا يمكن لأحد اليوم أن ينكر ما تسببه البطالة من فساد أخلاقي كالسرقة والأعمال غير المشروعة، بالتالي العزوف عن الزواج نظراً لتوافر الكثير من الفتيات الجائعات معدياً وجلدياً واللواتي يلبين رغبات الشباب بمبالغ بسيطة، تلك النتائج المتتالية تخلق جيلاً غير متوازن، مجبراً على السير في طريق مخالف للمنطق.
ولن ننسى مسألة الصحة النفسية السليمة، التي يفتقر لها الكثير من شبابنا السوري، حيث تؤدي غالباً للانفصال وعدم تكليل العلاقات بالزواج، لا سيما في ظل عيشهم تحت سقف أسري تغلب عليه النزاعات والمشاكل، مما يجعلهم هاربين مما يسمى "المملكة الزوجية"، بالتالي انتشار العقد النفسية وولادة مجتمع كهل نسبياً.
كما ويوجد سبب جدير بالذكر يساهم ولو بشكل طفيف في انتشار العنوسة، حيث أصبح معظم الشبان غير المقتدرين مؤخراً يميلون إلى خطبة الفتاة الموظفة لتساعدهم في المصروف المنزلي، في حين تقل نسبة الفتيات الموظفات، وتعجز الكثيرات منهن عن تأمين وظيفة حكومية في ظل بيئة العمل الحكومي التي لا يدخلها سوى المدعوم، أو "مبيض الفال".
لذا لا بد من حكومتنا أن تشجع الشباب على الزواج من خلال تقديم بعض التسهيلات كإقامة "بنك للزواج" لتقديم القروض لهم، أو إقامة جمعيات سكنية وتأمين فرص عمل بشكل أكبر للعاطلين عن العمل، بالتالي تأمين ظروف معيشية مناسبة للفتيات اللواتي سيتقدمون لخطبتهن.
وانطلاقاً من أن جميع المشاكل الكبيرة تحل بدءاً من التفاصيل الصغيرة…يبقى السؤال هنا.. هل ستنظر حكومتنا الموقرة في تفاصيل تلك المسألة لاقتلاع العجز والتراجع الأخلاقي المتغلغل في ثنايا مجتمعنا السوري من جذوره !؟.
الصحفية رغد السودة
Discussion about this post