فادي عيد
تعجّب البعض من أين أتى وعاد للمشهد مُجدّداً وزير خارجية فرنسا الأسبق، وأيّ دور له في أراضي سوريا، في الوقت الذي تشهد فيه بلاده مولد ثورة (كما وصف معارضو ماكرون)، وهنا كان يجب علينا أن نستعرض تاريخ ومواقف كل من الثلاثي البرناري، بداية ببرنار لويس مُنظّر فوضى وترسيم الشرق الأوسط الجديد، مروراً ببرنار كوشنير وزير الخارجية الفرنسي المُثير للجدل داخل فرنسا وخارجها، وصولاً إلى برنار هنري ليفي عرّاب ما سمّي بالربيع العربي أو الربيع العبري إن دقّ التعبير.
بعد اجتماعاته ولقاءاته مع برنار هنري ليفي عامي 2011 و2012 في مؤتمرات تدمير ليبيا، ولتنفيذ مُخطّطات برنار لويس، عاد برنارد كوشنير (وزير خارجية فرنسا الأسبق) الأسبوع الماضي، ولكن في تلك المرة ليست في ليبيا بل في القامشلي السورية وبرفقة مسؤولين كرد.
وهنا تعجّب البعض من أين أتى وعاد للمشهد مُجدّداً وزير خارجية فرنسا الأسبق، وأيّ دور له في أراضي سوريا، في الوقت الذي تشهد فيه بلاده مولد ثورة (كما وصف معارضو ماكرون)، وهنا كان يجب علينا أن نستعرض تاريخ ومواقف كل من الثلاثي البرناري، بداية ببرنار لويس مُنظّر فوضى وترسيم الشرق الأوسط الجديد، مروراً ببرنار كوشنير وزير الخارجية الفرنسي المُثير للجدل داخل فرنسا وخارجها، وصولاً إلى برنار هنري ليفي عرّاب ما سمّي بالربيع العربي أو الربيع العبري إن دقّ التعبير.
وبداية اختلف الثلاثة في مكان المولد والمهنة ولكن كان يجمعهم قاسم مشترك آخر بجانب الإسم والديانة وهو الانتماء للصهيونية، وتعبّر عقلية وفكر كل منهما عن مراحل مرّ بها وطننا العربي بعد انتهاء الحرب العالمية وحتى يومنا هذا.
فبداية مع المُتخصّص في دراسات الشرق الأدنى والأوسط والتاريخ الإسلامى أستاذ جامعة برنستون برنارد لويس، وخدم لويس أثناء الحرب العالمية الثانية في الجيش البريطاني بالهيئة الملكية المدرّعة وهيئة الاستخبارات عام 1940م، ثم أعير إلى وزارة الخارجية، فقد تفنّن برنارد لويس في رسم خرائط للشرق الأوسط على غرار خرائط سايكس بيكو، ولكن في تلك المرّة كان التقسيم على أسسٍ مذهبية وليس على حدود جغرافية، حتى قسّمت خرائطه وطننا العربي إلى دويلات مذهبية صغيرة، واعتبر ذلك هو تصحيح لأخطاء تقسيم سايكس بيكو.
وبعد أن اختمرت أفكار برنارد لويس في عقول الكثيرين من أصحاب القرار في الغرب، أصدر بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأميركي في أواسط السبعينات كتابه “بين جيلين”، والذي قال فيه “إن الشرق الأوسط مكوَّن من جماعاتٍ عِرقيةٍ ودينيةٍ مختلفةٍ يجمعها إطار إقليمي، فسكان مصر ومناطق شرق البحر المتوسّط غير عرب، أما داخل سوريا فهم عرب، وعلى ذلك فسوف يكون هناك شرق أوسط مكوّن من جماعاتٍ عِرقيةٍ ودينيةٍ مختلفةٍ على أساس مبدأ الدولة أو الأمّة، فتتحوّل إلى كانتونات طائفية وعِرقية يجمعها إطار إقليمي كونفدرالي، وهذا سيسمح للكانتون الإسرائيلي أن يعيش في المنطقة بعد أن تنتهي فكرة القومية”.
وقبل ترك بريجنسكى لمنصبه بعام واحد أثناء حرب الخليج الأولى قال : “إن المُعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الآن هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران، تستطيع أميركا من خلالها تصحيح حدود سايكس- بيكو”.
وفي عام 1983م اعتمدت الولايات المتحدة المشروع الذي قدّمه برنارد لويس لتفتيت الشرق الأوسط، ووافق عليه الكونغرس الأميركي بالإجماع في جلسة سرّية، وفي 20/5 /2005م أثناء مقابلة إعلامية مع برنارد لويس قال الآتي بالنصّ “أما أن نضع العرب تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمّروا حضارتنا، فلا مانع من احتلالهم”.
وعندما دعت أميركا عام 2007م إلى مؤتمر أنابوليس للسلام كتب لويس في صحيفة وول ستريت “يجب أن لا ننظر إلى هذا المؤتمر ونتائجه إلا باعتباره مجرّد تكتيك مؤقّت غايته التآلف ضد الخطر الإيراني، وتسهيل تفكيك الدول العربية والإسلامية ودفع الأتراك والكرد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضاً، كما فعلت أميركا مع الهنود الحمر”.
ويُعدّ برنارد لويس من أوائل الذين نصحوا الولايات المتحدة بالتعامل والتقرّب من جماعات الإسلام السياسي.
ومن هنا ننتقل للبرنار الثاني ألا وهو برنار كوشنير أحد مؤسّسي منظمة أطباء بلا حدود سنة 1971م التي ترأسها حتى عام 1979م، ثم انتقل من الطب إلى السياسة وتولّى منصب وزير الخارجية 2007بمعاونة اللوبي الصهيوني في باريس في عهد ساركوزي، وفور تسلّم كوشنير وزارة الخارجية تلقّى بهذه المناسبة الدكتوراه الفخرية من الجامعـة العبرية في القدس، فكانت فرحة الإسرائيليين كبيرة بتولّي كوشنير ذلك المنصب ، فكانوا يخشون أن يصطدموا بهوبير فيدرين لذلك دعموا كوشنر بقوّة، ولذلك أيضاً لم يتأخّر كوشنير في تقديم الشكر والعرفان لإسرائيل، وذلك عندما صرّح قائلاً: “تسيبي ليفني صديقتي والإسرائيليون أهلي وأنا لا أريد أكثر من مساعدتهم”.
وبدأ استكمال المخطّط بأهم حلقات الوطن العربي، ألا وهي لبنان الذي زاره كوشنير عشر مرات محاولاً دفعه للجحيم، ولم يتخل عن مهمته حتى بعد تركه لقصر لكي دورسيه (مقر وزارة الخارجية الفرنسية).
كما كان الأب الروحى لمؤتمر دعم المعارضة السورية الذي أقيم في باريس جالساً في الصفوف الأولى بين مندوب جماعة الإخوان المسلمين وأستاذه عرّاب الربيع العربي (البرنار الثالث هنري ليفي)، وأينما تواجدت إسرائيل في مؤتمر كان كوشنير حاضراً، وأينما أتيت سيرة العرب كان متامراً، وهذا ليس غريباً على كوشنير الملقّب بالحاخام، والذي قد لا يقف عند عزف النشيد الوطني لبلاده “لامارسييز” بينما يقف بخشوع في عزف النشيد الوطني البريطاني “فليحفظ الله الملكة”.
ومن برنار الحاخام ننتقل إلى البرنار الثالث، الملقّب بـ برنار الجنرال، نجم عام 2011م الأوحد ونجم جميع أفيشات الربيع العربي، سواء كان في تونس أو ليبيا أو مصر أو اليمن أو سوريا، وأحد أهم الجسور بين التنظيم الدولي لجماعة الإخوان وقادة الغرب، الجنرال الفيلسوف برنار هنري ليفي.
فالمترشّح لرئاسة دولة الكيان الصهيوني، بعد أن شارك العرب في ميادين ثوراتهم الملوّنة، صرّح علناً “إن الربيع العربي على أبواب الجزائر، وأنه يفعل هذا خدمة للصهيونية، وليس من أجل العرب”.
إنه الخبير العسكري وقت الحروب، والفيلسوف وقت الثورات، والحمل الوديع أمام الكاميرات، فرفض جائزة نوبل (مقدّم مكافئة كل عرّاب)، بينما خرّ ساجداً لدكتوراه فخرية مختومة بختم دولة إسرائيل، وأكثر مَن حوّل خرائط ومخطّطات الماضي والحاضر إلى واقع وطبّقها على الأرض بامتياز، بداية من يوليو 2004م عندما خاض برنار ليفى حملة التحالف من أجل إنقاذ دارفور بمشاركة نجوم هوليوود، والتي رفعت شعار “العرب يذبحون السود”، مروراً بإقناع ساركوزي بالتدخّل العسكري في ليبيا، وصولاً لدعمه تقسيم سوريا، وصارت كتبه عن تجربة كل ربيع في الشرق الأوسط الأكثر مبيعاً في العالم والأكثر جرحاُ في قلوبنا.
فمثلما قدّم برنار كوشنير البوسنة وكوسوفو ورواندا كقرابين التفتيت للولايات المتحدة، كذلك قدّم أيضاً برنار ليفي ثورات الربيع العربي، وجميعهم صار على منهج وخرائط برنار لويس، ورد فعلنا كعرب كان يتلخّص في ما قاله موشي دايان، عندما قال: “إن العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يستوعبون، وإذا استوعبوا لا يطبّقون، وإذا طبّقوا لا يأخذون حذرهم”.
الميادين
Discussion about this post