من سنوات كتب الفرنسي أوليفييه روا عن «ليلة الكوليرا في الشرق الأوسط». لاحظ الى أي مدى انتهى الاعتلال السوسيولوجي، والاعتلال الاستراتيجي، والاعتلال الايديولوجي.
الأنظمة تنبش القبور، وتدفن رعاياها، احتفالياً، فيها. لا شيء هناك سوى الماضي يستعاد بالايقاع الجنائزي اياه، اما لاستبقاءالعروش المتهالكة، أو لأغراض جيوبوليتيكية لا تعدو كونها لعبة القبائل على باب لعبة الأمم.
الآن، الى اين يمضي بنا الزلزال؟ منذ ايام بيل كلينتون (وبلغت المسألة ذروتها مع جورج دبليو بوش)، ارتفعت الدعوة الى تغيير الخرائط في المنطقة.
تجربة المائة عام، بعد اتفاقية سايكس ـ بيكو، أثبتت أنها لم تنتج دولاً قابلة للحياة، بل مستودعات للسياسات الميتة، الثقافات الميتة، المجتمعات الميتة.
حتى تركيا التي انتهجت الاسلام بربطة العنق، وببهرجة (وهمجية) السلاطين. حتى ايران، بتكنولوجيا النانو، وحيث لا شيء من النظام الاسلامي، غير الموجود أساساً في النص القرآني، سوى رجال الدين، في مهب الاحتمالات.
أين الاستغراب اذا كانت نظرة دونالد ترامب تتقاطع مع نظرة فلاديمير بوتين، الى المنجم السعودي؟ ماذا قدمت هذه الدولة، منذ قيامها، الى البشرية؟ على مدى عقود ثابرت على تسويق الوهابية التي لم تؤد، فقط، الى تفكيك المجتمعات العربية، و تفجيرها، وانما الى الاغتيال المنهجي للزمن.
من لا يعلم أن من تجليات الوهابية اسامة بن لادن، وأبو مصعب الزرقاوي، وأبو بكر البغدادي؟
لا شيء هناك سوى المال الذي تناثر في كل الاتجاهات. بعد نحو تسعة عقود من تتويج عبد العزيز آل سعود، يقول الرئيس الأميركي «هذا العرش لا يستطيع البقاء اسبوعاً واحداً لولا اساطيلنا»، قبل أن يفاجئنا «اذا ما غادرنا المنطقة باستطاعة ايران اجتياحها في اثنتي عشرة دقيقة».
الكل لاذوا بالصمت.
كنا نأمل أن تكون مصر، دولة المائة مليون، والتي تفاخر بعمر السبعة آلاف عام، الدولة المحورية، والمؤثرة، حتى لا تعبث بنا تركيا، وحت لا تعبث بنا ايران، وحتى لا يبقى العرب أمة من التنك، وتجثو أمام حائط المبكى.
دونالد ترامب هو الذي قال «أتريدون رحيل محمد بن سلمان لترحل اسرائيل؟». وقال «لولا السعودية لكانت اسرائيل أمام مأزق كبير» (تحديداً مأزق البقاء).
لو شاهدتم ذلك الاعلامي التلفزيوني اللبناني وهو يدافع، ببغائية مشينة، عن ذلك «المجهول» في قضية جمال خاشقجي.
هل كانت اسرائيل قامت، وهل أن اسرائيل بقيت، لو تم تثمير تريليونات الدولارات في بناء دولة تدخل منذ اللحظة الأولى، في لعبة العصر، ولا تتأرجح بين رقصة العراضة ورقصة تورا بورا؟
وهل كان يمكن لتركيا أن تفتح الأبواب أمام النيوانكشارية، وقد عاثوا خراباً في الأرض السورية، لكي يدمروا الدولة ويدمروا الدور (وليدمروا ما تبقى من عروبة العرب)؟
ماذا عن ايران التي اذا نحفظ لها مؤازرتها لنا في اجتثاث البربرية الآتية من ليل الآلهة، وفي مساعدة سوريا على مواجهة المغول الجدد، لا يمكننا اغفال اللوثة الكسروية في سياساتها. هذا لا يحول دون قناعتنا بأن افتراقنا الثقافي، وافتراقنا التاريخي، عنها لا يتيح لها حيازة موطئ قدم في اي من البلدان العربية.
الآن، رأس محمد بن سلمان في لعبة الأمم، وما دون الأمم. لاحظنا الابتذال (والابتزاز) الذي مارسه رجب طيب اردوغان، بعقلية بنات الهوى (هل نبالغ؟) في قضية صحافي لطالما كان من دعاة المذهبية، ومن غلمان البلاط، ومن الذين يرون في حسن البنا وسيد قطب أولياء أولياء الأمر.
اي ثمن يريده السلطان العثماني اذا ما التقى ولي العهد السعودي في الأرجنتين، على هامش قمة العشرين، وحيث المملكة هي الدولة الوحيدة بين الحضور التي لا تملك سوى المال؟ لا الرصيد الثقافي، ولا الرصيد التكنولوجي، ولا الرصيد الديمقراطي.
اردوغان لا يريد الحقيقة. اذا كان السعوديون قاموا بتقطيع الجثة، وتذويبها، أليس ما قام به الأتراك تقطيع الحقيقة وتذويبها؟
حديث عن أن اردوغان سيحمل معه «الورقة القاتلة» الى القمة. ماذا يستطيع محمد بن سلمان أن يقدم في «اللحظة القاتلة»؟
لنعلم أن الرئيس التركي الذي دعا الى اعادة النظر بمقررات مؤتمر لوزان (1923)، ما زال يتطلع الى حلب والموصل كونهما جناحي السلطنة. لاحقاً الى كركوك لكي تقوم «تركيا الكبرى». تالياً، اطلاق يد «الاخوان المسلمين» بعدما تحولوا الى أكياس بالية ان على أرصفة اسطنبول أوعلى ضفاف مرمرة.
ماذا يتغير اذا ما أقصي محمد بن سلمان؟ لا شيء. لا شيء على الاطلاق. البلاط سيبقى البلاط. نحن، أيها السادة، بثرواتنا، بقبائلنا، بألقابنا، حماة (أم خدم؟؟) لاسرائيل.
وليذهب بنا الزلزال الى حيث يذهب…
Discussion about this post