في المخطط الإرهابي الكوني الذي يستهدف سوريا كان أهم ركيزتين بني عليهما المخطط من أجل نجاحه وتحقيق أهدافه هما: الإرهاب التكفيري، والمدنيون السوريون. فقد لعب الإرهاب التكفيري بذراعيه الكبيرتين “داعش والنصرة” ـ ولا يزال ـ دورًا كبيرًا في بنية المخطط الإرهابي الرامي إلى إسقاط الدولة السورية وتدميرها وتفتيتها وتحويلها إلى كانتونات طائفية متناحرة، حيث اتُّخذ من محاربة جزء من الإرهاب التكفيري ألا وهو تنظيم “داعش” مدخلًا مناسبًا من قبل معشر المتآمرين على سوريا للتدخل في شؤونها الداخلية، وبما يسمح لهم تقديم الرعاية والدعم الضروريين لمجموع التنظيمات الإرهابية وتمكينها من بسط إرهابها على جميع الجغرافيا السورية، بحجة محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي.
والسؤال الذي يفرض ذاته هنا: لماذا يُحارب تنظيم “داعش” وحده، في حين يُغض النظر عن بقية التنظيمات الإرهابية بما فيها تنظيم “جبهة النصرة”؟ ولماذا يُصنف “داعش” بأنه إرهابي، في حين تُصنف بقية التنظيمات الإرهابية التكفيرية الظلامية على أنها “معارضة” سورية؟ وإذا كان العدد الأكبر المكون لهذه التنظيمات الإرهابية من الدول المكونة للمخطط التآمري فلماذا يُطلق عليها صفة “معارضة”؟ بل هل يجوز أن يطلق عليها كذلك؟
من المؤكد أن الإجابة على تلك الأسئلة متضمنة للحقيقة، وهي أن اختيار الإرهاب التكفيري كان منذ بداية مخطط استهداف سوريا خيارًا استراتيجيًّا بالنسبة لمعشر المتآمرين، لأنه في الفعل الإرهابي لا يوجد فرق بين تنظيم وآخر، فكل التنظيمات في الفعل والجريمة سواء، وبغض النظر عن الأداة المستعملة في الإرهاب. وما يضفي على هذه الحقيقة مزيدًا من المصداقية هو محاولة تغطية حالة الانكشاف والافتضاح لهذا الأمر عبر الفرز الكاذب للإرهاب التكفيري، وذلك حين أطلق معشر المتآمرين صفة “معارضة معتدلة” على التنظيمات الإرهابية، والتي يقصدون بها التنظيمات الإرهابية ما عدا تنظيم “داعش”. لذلك ما أعلنه الأميركي من استراتيجية لمواجهة تنظيم “داعش” وتشكيل تحالف دولي قوامه ستون دولة تقريبًا سلط مزيدًا من الضوء على حقيقة المخطط الإرهابي الذي يستهدف سوريا، وطبيعة الأهداف المراد تحقيقها. فالتنظيم الإرهابي لا يزال يتلقى الدعم وتنقل قياداته وفلوله من منطقة إلى أخرى، ومن العراق إلى سوريا والعكس صحيح. وبينما تشي المؤشرات بإمكانية عودة التنظيم إلى سابق عهده، يرى عدد من المتابعين والخبراء السياسيين والعسكريين والأمنيين أن يستبدل بتنظيم “داعش” تنظيم آخر إذا لم تواتِ الظروف لإعادة نفخ روح التوحش فيه، ذلك أن الحاجة إلى هذا النوع من الإرهاب مطلوبة لدى ذوي الأطماع الاستعمارية والمشاريع التآمرية في المنطقة لاستخدامه وسيلة في مواجهة الخصوم.
أما المدنيون السوريون فكانوا ولا يزالون الركيزة الأخرى في مخطط استهداف سوريا، فقد بانت حقيقة ما بُيِّت ضد سوريا من خلال طبيعة الاستهداف الممنهج للشعب السوري عبر تدمير البنية الأساسية وضرب جميع المؤسسات الخدمية واستهداف حقولهم ومزارعهم وصناعاتهم ومصانعهم وتفكيك آلاتها وبيعها في السوق السوداء التركية، وتدمير المخازن والصوامع، واستهداف أنابيب النفط والغاز ومحطات الكهرباء والمياه، وتلويث المياه، واستهداف منازل المواطنين السوريين الآمنين، ونهب ما تبقى لديهم من كسرة خبز داخل بيوتهم، وكل ذلك لإجبارهم على اختيار التمرد على وطنهم السوري والانضمام إلى الإرهاب التكفيري، أو القتل بسواطير الإرهاب، أو الهجرة من وطنهم حيث مصير مبهم في انتظارهم، إما أن يكونوا لقمة لحيتان البحر الأبيض المتوسط، أو الإذلال وامتهان الكرامة والمتاجرة الرخيصة بحقوقهم في مخيمات اللجوء والشتات، أو استثمارهم في أجندات ومشاريع استعمارية، كما هو حال بعض الجوار السوري، الذي لا يزال يعمل على غسل أدمغة المهجرين السوريين ويمنحهم الجنسية، ويلقنهم ثقافته المريضة، لحسابات وأحلام بائسة لا تزال تعشش في مخيلته البالية.
لقد أثبتت انتهاكات حقوق الإنسان السوري من قبل معشر المتآمرين وتنظيماتهم وأدواتهم الإرهابية والإجرامية زيف شعاراتهم الكاذبة التي رفعوها بداية تفجيرهم المخطط بأن تدخلهم في الشأن الداخلي السوري هو من أجل مساعدة الشعب السوري حتى تلبية مطالبه وتحقيق تطلعاته. وما يضفي مزيدًا من الضوء على هذه الحقيقة هو إصرار معشر المتآمرين على سوريا وشعبها وجيشها وقيادتها على المتاجرة الرخيصة بحقوق المهجرين السوريين، والإمعان في إذلالهم وامتهان كرامتهم، وحرمانهم من أبسط حقوقهم. ولعل رفض الولايات المتحدة طلب روسيا الاتحادية السماح بعبور قوافل إلى منطقة التنف لنقل المهجرين السوريين من مخيم الركبان جنوب سوريا كفيل بتلخيص مكانة المواطن السوري لدى الدول المتآمرة على بلاده، فماذا يعني هذا الرفض في الوقت الذي أعدت فيه الحكومة السورية جميع التدابير وسخَّرت كل إمكاناتها من أجل استقبال هؤلاء المهجرين، وإقامتهم في وطنهم السوري؟ ألا يعني أن الإنسان السوري ليس سوى ورقة بيد المتاجرين بحقوقه لصالح تدميره وتدمير وطنه؟
خميس التوبي – الوطن العمانية
Discussion about this post