لا ينقص العالم شيئاً لينطبق عليه وصف حالة حرب، فأوروبا كلها صارت مسرحاً لذعر، لا يحتاج بعد عمليات باريس إلى خروج مسلحي «داعش» إلى الشوارع واحتلال مسارح المدن وملاعبها وطرقاتها، وتجوال سياراتهم المسلحة أمام متاجرها، يكفي اتصال هاتفي لإلغاء مباراة رياضية ينتظرها عشرات الألوف لحضورها في الملاعب والملايين عبر الشاشات كمباراة فرنسا وألمانيا التي ألغيت بسبب اتصال تحذيري ينبئ بوجود قنبلة في الملعب، الذي لم تنفع النداءات لإخلائه أمام التفتيش ما اضطر الأمن الألماني لإلغاء المباراة.
حالة حرب تستدعي من روسيا استخدام صواريخها المجنّحة عن بعد مئات الكيلومترات لضرب تحصينات «داعش»، وهي الحرب التي يقول الرئيس السوري بشار الأسد إنه مستعدّ للتعاون فيها مع فرنسا لمواجهة عدوّ مشترك هو الإرهاب إذا تصرّفت فرنسا بحجم ما تمليه الحرب من روح مسؤولية وراجعت مواقفها وتغيّرت من العداء تجاه سورية واحترمت معادلتها بأنّ العدو هو الإرهاب.
في قلب هذه الحرب التي يُجمع العالم على كونها الأولوية لا تزال التنظيمات الإرهابية تنجح بالاستثمار على هوامش الانقسامات في معسكر الحرب الذي يضمّ العالم كله تقريباً، بسبب إصرار نصف العالم على ربط التعاون الجدّي للفوز بالحرب بالحصول على مكاسب فئوية والخضوع لحسابات وأحقاد لا تمتّ بصلة إلى عالم السياسة والأخلاق التي تفترض أولوية وقف سفك دماء الأبرياء.
رغم كلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن نقلة نوعية قريبة في الحلّ السياسي في سورية عبر وقف للنار وبدء الحوار، لا يبدو أنّ شيئاً قد تحرّك بالفعل نحو الحلحلة الفعلية، فالتمويل الذي يحظى به الإرهاب لا يزال مستمرّ التدفق عبر مصارف وخطوط نقل تركية، ومنصات بيع للنفط المسروق عرضها الرئيس الروسي على المجتمعين في قمّة العشرين، ولا زالت دول الخليج المصدر الرئيسيّ للتمويل، وبيع النفط والتمويل يجريان تحت نظر وبموافقة وتشجيع حكومات تعتبر أنها شريكة في الحرب على الإرهاب، وهي الدول ذاتها التي لا تزال تربط شراكتها الفعلية بتغيير وجه سورية وكسر إرادتها والنيل من استقلالها ووحدتها الوطنية، ولذلك تتباطأ وتماطل، في المشاركة بتصنيف التنظيمات السورية بين معارضة يمكن مشاركتها بالعملية السياسية وإرهاب ينبغي عزله ومقاطعته ومحاربته، والعقدتان تراوحان مكانهما رغم تفاؤل كيري، بينما سورية لا تنتظر، فجيشها والمقاومة ومعهما النار الروسية في الحرب بالأفعال لا بالأقوال، يتقدّمون في الميادين القتالية، خصوصاً بالقرب من تدمر وعلى مشارف حلب، وأطراف دوما في ريف دمشق، وهي ثلاث جبهات يشكل التقدّم في أيّ منها ضربة قاصمة للجماعات الإرهابية.
في لبنان، كان الغداء الذي أقامه رئيس مجلس النواب نبيه بري على شرف المشاركين في جلسة الحوار، بعد محاولة جسّ نبض لمشروع السلة المتكاملة، للتفاهم الذي يفترض أن يطال رئاسة الجمهورية والحكومة المقبلة وقانون الانتخابات. ويبدو وفقاً لمصادر مشاركة في الحوار أنّ المحاولة انتهت بنصف نجاح ونصف فشل، فما لم يتحقق كان منتظراً ألا يتحقق، لكن الحلقة الهامة التي تحققت كانت القبول المبدئي ولو على مضض من فريق المستقبل بالسير بفكرة السلة المتكاملة، عبّر عنها بوضوح كلام نائب رئيس المجلس فريد مكاري، فيما كان رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة يحاول تفخيخ الجلسة، بإثارة نعرات وخلافات وإطلاق استفزازات، ما حدا بعض المشاركين إلى التفكير بمناشدة الرئيس سعد الحريري المجيء ليوم واحد، إنْ لم يكن قد حان موعد عودته النهائي في هذه الظروف التي يمكن لوجوده أن يساهم في حلحلة الكثير من مشاكلها، فعلى الأقلّ للمشاركة في جلسة يجري الإعداد لها جيداً تطلق التفاهم على السلة.
الغداء الصيني الذي قدّمه الرئيس بري لزواره، رافقه شعور بالحاجة إلى انتظار، وهو انتظار سعودي، طالما لا حلحلة قريبة بموقع السعودية وموقفها من العلاقة مع إيران ولا من الأزمة في سورية، بينما بقي الهمّ السوري حاضراً في كلام العماد ميشال عون، رداً على الرئيس السنيورة، إنْ سقطت سورية فلا يستطيع لبنان، لو وقف كلّ شعبه، أن يصمد في وجه الخطر، وكلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة الحاج محمد رعد رداً على السنيورة، بقوله وقفنا كلنا مع فرنسا في وجه خطر الإرهاب لكن أحداً لم يربط موقفه بدعوتها للانسحاب من سورية كما تفعلون معنا.
لم ينجُ السنيورة من سهام غير مباشرة من مكاري الذي أيّد السلة المتكاملة وحاول، وقال إنّ السنيورة مع هذا الكلام، لكنه يريد التذكير بالحاجة إلى تطبيق ما نتفق عليه أمنياً، وكان كلام السنيورة الاستفزازي قد ورد فيه «السلاح ينتشر في بيروت، وتريدوننا أن نأتي إلى التفاهم»، وقد لخص أحد الظرفاء المشاركين المشهد بأنّ «الغداء كان دسماً، ولكن بلا تحلاية، فقد صبّ الرئيس بري القطر المحلّى ولم نجد تحلاية إلا بالسنيورة».
البناء
Discussion about this post