رمت الهجمات المنسقة التي شنها مسلحون وانتحاريون تابعون لتنظيم «داعش» في باريس الجمعة الماضي بثقلها على قمة قادة مجموعة العشرين في أنطاليا التركية، والذين يحاولون الخروج بموقف موحد بشأن كيفية محاربة الإرهاب، المتنقل من سوريا والعراق ليضرب في أوروبا.
وتعهد قادة المجموعة، في افتتاح القمة وفي الاجتماعات الثنائية التي كان أبرزها بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، برد قوي على هجوم «داعش» في باريس، حيث وصفه أوباما بأنه هجوم «على العالم المتحضر»، فيما حث بوتين على التوصل إلى جهد عالمي لمواجهة التهديد. وعقدت على هامش القمة اجتماعات بين اوباما وبوتين واوباما ونظيره التركي رجب طيب اردوغان ومع الملك السعودي سلمان الذي سيلتقي بوتين اليوم.
لكن بعيداً عن التصريحات القوية والدعوات إلى رد قوي، لم يتبين كيف سيتفق القادة على تصعيد العمليات ضد المجموعات التكفيرية. وتكشف الهجمات والتفجيرات الانتحارية في فرنسا وقبلها في لبنان وتركيا، وسقوط الطائرة الروسية فوق سيناء، أن «داعش» أصبح قادراً على الضرب خارج قاعدته الرئيسية في العراق وسوريا، وهو أمر زاد من قلق الدول الغربية. وكان من اللافت تصريح اوباما خلال لقائه اردوغان بشأن «تعزيز الحدود بين سوريا وتركيا والتي تسمح لداعش بالتحرك».
وأعلنت دول مجموعة العشرين، في مشروع بيان سيصدر اليوم، انها ستتخذ سلسلة «اجراءات» ضد «الانتشار المتنامي للارهابيين الاجانب». ومن التدابير التي نص عليها البيان «تقاسم المعلومات العملانية ومراقبة الحدود لرصد حركة التنقل وتدابير وقائية ورد قضائي مناسب».
واكد رؤساء الدول والحكومات «اننا سنعمل معا لتعزيز الامن الجوي الدولي».
ويندد مشروع البيان بالهجمات «المشينة» التي استهدفت باريس وانقرة، لكنه لا يشير بالاسم الى اي مجموعة او تنظيم ارهابي. وتشدد دول مجموعة العشرين في النص الذي لم يصادق عليه بعد رؤساء الدول والحكومات على ضرورة التصدي لمصادر تمويل الارهاب، وكذلك لـ «الدعاية الارهابية» وخصوصا عبر الانترنت، وان «مكافحة الارهاب اولوية كبرى» لأعضاء المجموعة.
افتتاح القمة
والتزم قادة دول مجموعة العشرين، في افتتاح القمة، دقيقة صمت حدادا على ضحايا الهجمات في باريس وأنقرة. ووصل أوباما متأخرا إلى طاولة الاجتماع، وكانت دقيقة الصمت قد بدأت.
وقال أردوغان، في افتتاح جلسة «الاقتصاد العالمي، استراتيجيات التنمية، العمالة واستراتيجيات الاستثمار»، على هامش القمة، إن «الإرهاب يستمر في تهديد أمننا وسلامتنا جميعاً، ونحن في تركيا نعتقد أنه ينبغي التعبير بشكل أقوى عن إصرارنا على التعاون في مكافحته». وأكد «أهمية التعاون والتضامن الدولي في مواجهة أزمة اللاجئين»، متمنياً أن «تكون قمة العشرين الحالية نقطة تحول في مسألة اللاجئين عقب فشل المجتمع الدولي في إيجاد حل لها».
أوباما وبوتين وسلمان واردوغان
وقال كبير مستشاري السياسة الخارجية في الكرملين يوري أوشاكوف إن بوتين وأوباما تحدثا، خلال لقاء على هامش القمة، «مكثّفاً» حول سوريا وأوكرانيا. وأضاف «الأهداف الإستراتيجية المتصلة بالحرب ضد الدولة الإسلامية من حيث المبدأ متشابهة للغاية (بين أميركا وروسيا)، لكن هناك اختلافات في ما يتعلق بالأساليب».
وقال مسؤول في البيت الأبيض إن الرئيسين اتفقا على الحاجة لعملية انتقال سياسي تقودها سوريا تتضمن محادثات بوساطة الأمم المتحدة. وأضاف انهما ناقشا في الاجتماع، الذي استمر 35 دقيقة، الجهود المبذولة لإيجاد حل للصراع. وتابع «أوباما وبوتين اتفقا على الحاجة لعملية انتقال سياسي تقودها سوريا وتملكها سوريا، تجري من خلال مفاوضات بوساطة الأمم المتحدة بين المعارضة السورية والنظام، إضافة إلى وقف إطلاق النار».
وأضاف ان أوباما، الذي التقى الملك السعودي سلمان، رحب بجهود جميع الدول لمواجهة تنظيم «داعش»، مشيرا إلى أهمية أن تتركز الجهود العسكرية الروسية في سوريا على التنظيم. وقدم أوباما لبوتين «تعازيه الحارة بالضحايا الروس» لتحطم طائرة «متروجت» الروسية في سيناء، والذي أدى إلى مقتل 224 شخصا كانوا فيها.
وقالت موفدة الكرملين إلى مجموعة العشرين سفيتلانا لوكاش إن قادة دول المجموعة سيبحثون على الأرجح مصير الرئيس السوري بشار الأسد حين يناقشون الصراع في سوريا ومكافحة الإرهاب.
ونقلت وكالة «الأناضول» عن مسؤولين في البيت الأبيض قولهم إن أوباما والملك السعودي سلمان قررا مضاعفة جهود بلديهما لإلحاق الهزيمة بتنظيم «داعش». وأضافوا انهما «تباحثا حول ضمان إحراز تقدم دائم بوقف إطلاق النار في سوريا، بالتوازي مع بدء عملية انتقال سياسي في البلاد»، وأعربا عن ارتياحهما لنتائج اجتماع فيينا أمس الأول. وجددا «تأييدهما لأهمية تقديم دعم قوي للمعارضة السورية المعتدلة، كما بحثا دور المعارضة في جهود السلام المستقبلية». كما ناقشا كيفية تقديم المساعدة الأفضل للحكومة العراقية في مكافحتها لـ «داعش».
وقال أوباما، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع اردوغان، «سنضاعف الجهود مع الأعضاء الآخرين في الائتلاف لضمان انتقال سلمي في سوريا، والقضاء على داعش كقوة يمكنها أن تتسبب بالكثير من الألم والمعاناة للناس في باريس وأنقرة وأنحاء أخرى من العالم».
واتفق أوباما واردوغان على تقديم الدعم لفرنسا في تعقب مرتكبي اعتداءات باريس وتعزيز حملة «القضاء» على «داعش». وقال أوباما إن «قتل الأبرياء على أساس إيديولوجية مشوهة ليس اعتداء على فرنسا أو تركيا فقط، بل هو هجوم على العالم المتحضر». وأضاف «أنا متأكد من انه كما قلنا جميعا للرئيس هولاند والشعب الفرنسي، نحن ندعمهم في ملاحقة مرتكبي هذه الجريمة وتقديمهم للعدالة».
وتابع «أعتقد أن النقاش الذي أجريناه مفيد جداً في المساعدة على مواصلة تنسيق العمل الذي نقوم به معاً وللمساعدة في تعزيز الحدود بين سوريا وتركيا والتي تسمح لداعش بالتحرك».
وقال اردوغان، من جهته، إن تركيا ستواصل التضامن مع الولايات المتحدة، متوقعاً أن يصدر عن القمة بيان قوي بشأن مكافحة الإرهاب. وأضاف «نتصدى لنشاط إرهابي جماعي حول العالم لأن الإرهاب لا يعترف بأي دين ولا عرق ولا بلد. سنمضي قطعاً في نقاشاتنا خلال قمة مجموعة العشرين في إطار جدول الأعمال المعد سلفاً، لكننا سنؤكد بشدة اتخاذ موقف صارم من الإرهاب الدولي».
وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إن الولايات المتحدة وروسيا يجب أن تتعاونا لمحاربة «داعش» في سوريا، مؤكدا أن موسكو يجب أن تركز تحركاتها العسكرية هناك على التكفيريين وليس المعارضة السورية «المعتدلة»، فيما رحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتجدد الشعور بضرورة إيجاد حل بسرعة للحرب في سوريا بعد هجمات باريس، مضيفا أن العالم أمام «لحظة نادرة» وفرصة ديبلوماسية لإنهاء العنف، في إشارة إلى الاتفاق في فيينا أمس الأول.
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل «نحن هنا في قمة مجموعة العشرين نرسل رسالة قوية اننا أقوى من أي شكل من أشكال الإرهاب»، مضيفة ان تعزيز الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي أمر حيوي لألمانيا.
(«الأناضول»، ا ف ب، ا ب، رويترز)
Discussion about this post