«الأفغنة» تطل برأسها في سوريا عبر الصواريخ المضادة للطائرات، وإرسال المزيد من «الجهاديين» إلى سوريا عبر تركيا. الروس بدأوا بالاستعداد لها بتحذير من يسعى إلى شرائها، وتزويد المجموعات المسلحة بها.
وزارة الخارجية الروسية هددت «جدياً من يحاول توريد صواريخ محمولة للإرهابيين في سوريا، باعتبار ذلك مساعدة مباشرة لهم، مع كل الآثار المترتبة على ذلك».
الأنباء عن بحث الحلف السعودي ـ التركي ـ القطري والغربي عن تزويد المجموعات المسلحة في سوريا بتلك الصواريخ لم تعد مجرد شائعات. نائب وزير الخارجية الروسي لمكافحة الإرهاب اوليغ سيرومولوتوف تولى تأكيد المعلومات التي كانت قد نشرتها «السفير» أمس. وهو التأكيد الرسمي الروسي الأول والعلني عن اتجاه الحلف الإقليمي المضاد إلى تسعير الحرب في سوريا، ورفض نتائج الانخراط الروسي فيها.
وقال سيرومولوتوف «لم تسجل حتى الآن أية وسائل دفاع جوي لدى الإرهابيين، إلا أن هناك دلائل تشير إلى محاولة الإرهابيين الحصول على منظومات صواريخ جوية متنقلة (محمولة على الكتف) غربية الصنع في الدول الإقليمية المجاورة» لسوريا. وأكد أن «توريد هذه المنظومات لأي من المجموعات الإرهابية في سوريا سيعني أن الدولة التي فعلت ذلك وقفت عملياً إلى جانب الإرهاب الدولي، مع كل العواقب المترتبة على ذلك، وأريد أن يتم الاستماع إلى ذلك كتحذير جدي».
ذلك أن عمليات البحث عن تغيير قواعد الاشتباك كما فرضها الروس في سوريا لم تبدأ مع صولات الطوافات الروسية المقاتلة في أرياف حماه، التي أتاحت، حتى الآن، فتح الجيش السوري خمس جبهات متتالية في أرياف ادلب وحمص وحماه وسهل الغاب واللاذقية وحلب، وشن هجمات متزامنة لتشتيت المجموعات المسلحة ومنعها من إعادة الانتشار، أو استقدام تعزيزات.
ويتقدم الجيش السوري على جنبات الطريق الدولي حلب ـ دمشق، لتفكيك طرق الإمداد التي تتفرع من هذا الشريط الحيوي، الذي يشطر سوريا من الجنوب إلى الشمال، وتعبر منه أرتال التدخل التركي في سوريا، من الحدود في باب الهوى الادلبي، إلى قلب سوريا مخترقة الشمال والمنطقة الوسطى وصولا إلى الطوق الدمشقي. وتعد معركة استعادة الشريط الحلبي الدمشقي، معركة سوريا بامتياز، ومنع تقسيمها، وضرب المشروع التركي بالدخول إلى حلب. ومن دون إيقاف العمليات الجوية، أو عرقلتها، لن يكون بوسع الحلف الإقليمي المضاد لسوريا، وقف تقدم الجيش السوري.
والأرجح أن الحلف الإقليمي المضاد لسوريا وروسيا حسم أمر تصعيد الحرب و «أفغنتها» عندما فشل لقاء 19 حزيران بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان في التفاهم جدياً على تسوية مقبولة من الطرفين، تحت عنوان التحالف ضد الإرهاب، والإبقاء على الدولة السورية، وإشراك المعارضة الوطنية بالحكم، وتأجيل أي بحث بموقع الرئيس بشار الأسد أو مستقبله السياسي في سوريا. وهذه النقطة هي التي تراجع عنها السعوديون في الزيارة التالية لوزير الخارجية عادل الجبير، الذي أعاد، في تموز، البحث مع الروس، إلى الوراء، بالتمسك مجددا بأن الحل في سوريا لا يقوم إلا بشرط تنحي الأسد مسبقاً، وهو ما لا يقبله بوتين.
وتعكس النبرة الروسية الحادة، وتهديد الحلف الإقليمي «جدياً» برد روسي، نكسة التفاهمات السعودية ـ الروسية مجدداً بعد لقاء الاثنين الماضي، بين بوتين وبن سلمان. ويقول مصدر غربي إن لقاء بوتين ببن سلمان كشف مرة ثانية انعدام الثقة بين الطرفين، خصوصاً أن السعوديين لم يفوا بوعودهم التي قطعت خلال لقاء 19 حزيران الماضي بفتح باب التعاون مع المسؤولين الأمنيين السوريين، بعد الزيارة اليتيمة التي قام بها إلى السعودية بناءً على اقتراح روسي رئيس مكتب الأمن القومي اللواء علي مملوك، والتي لم تتكرر. كما لم يحدث أي اختراق جدي في المسألة السورية.
ويقول مصدر غربي إن الروس يرغبون بعقد صفقة مع السعوديين، والعمل معهم لرفع أسعار النفط، لكن بوتين رفض أي تفاهم مع السعوديين يقوم على شروط مسبقة في سوريا، وتركيزه على ضرورة تأجيل أي حل سياسي إلى حين انتهاء الحرب على الإرهاب.
ويقول المصدر إن الأمير بن سلمان حاول مجدداً تقديم وعود بتوسيع الاستثمارات، وتسريع اتفاقات وقعت بالأحرف الأولى تعهدت فيها الرياض باستثمار 10 مليارات دولار بمشاريع في روسيا في إطار شراكة ما بين صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي وصندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي. وكرر بن سلمان موافقة السعودية على حل يقوم على وحدة سوريا واستمرار الدولة، ولكن من دون الأسد. وحذر من أن التدخل الروسي في سوريا سيؤدي إلى انتشار الإرهاب. ويقول مصدر إن الرئيس الروسي رد بأن التهديد الإرهابي يطال السعودية أيضاً، وأن الإرهاب يتوسع وهو خطر على الجميع، وليس على سوريا وحدها.
وأعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن نقطة التفاهم الوحيدة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن سوريا هي كيفية منع وقوع تصادمات غير مقصودة بين الطائرات المنخرطة في الصراع، لكنه أوضح أن البلدين يختلفان حول المبادئ والاستراتيجيات الرامية لإحلال السلام. وكرر أن «الحرب السورية مغناطيس للمتشددين ولا يمكن وقفها سوى بحل سياسي يتمخض عنه تشكيل حكومية شرعية شاملة».
إلى ذلك، أعلن قائد العمليات في الجيش الروسي الجنرال اندريه كارتابولوف تأييده تشييد قاعدة عسكرية روسية كبيرة في سوريا. وقال «على الأرجح كنت سأتحدث عن إقامة قاعدة عسكرية روسية موحدة، وانها ستكون قاعدة تضم عناصر عدة، الجوية والبحرية والبرية». وأشار إلى أن روسيا قد تستخدم سفنها في البحر المتوسط لإطلاق صواريخ على مواقع «داعش» في سوريا.
ميدانيات
وقال مسؤول أميركي «ربما هناك نحو ألفي» مقاتل إيراني أو يحظون بدعم طهران يشنون هجوماً في جنوب شرق حلب. وأوضح ان هؤلاء قد ينتمون الى قوات إيرانية مثل الحرس الثوري أو الى «حزب الله» أو مجموعات من المقاتلين العراقيين. وأضاف «ثمة أمور كثيرة تحصل حاليا تكمن خلفيتها في الزيارة التي قام بها هذا الصيف لموسكو الجنرال الإيراني (قاسم) سليماني» في آب الماضي.
وبدأ الجيش السوري مدعوماً بفصائل محلية عمليات عسكرية واسعة في مدينة حلب، اختار أن تنطلق من الريف الجنوبي للمدينة، الأمر الذي يساهم بتوضيح طبيعة العمليات العسكرية الممتدة من حمص وصولا إلى حلب.
العملية التي انطلقت فجر أمس بعد قصف تمهيدي شارك فيه سلاح الجو الروسي وسلاح المدفعية انطلق على أربعة محاور في ريف حلب الجنوبي، والجنوبي الغربي، حيث انطلقت العمليات على محاور خان طومان، تل شغيب، الوضيحي وجبل عزان، وتمكن الجيش بخطى سريعة من السيطرة على 10 قرى ونقاط في الريف المتشابك مع ريف إدلب غرباً، فبسط سيطرته على حدادين، والوضيحي، وعبطين، وقلعة نجم، وكتيبة الدبابات قرب عبطين، والكسارات، وحدادين غربية، والمليحة، ومداجن الزيتونة، والكدار، إضافة إلى تلة الشهيد الإستراتيجية.
وفي خطوة هي الأولى من نوعها، أعلنت القيادة العسكرية تشكيل غرفة عمليات حملت اسم «القيادة الموحدة لعمليات الجيش العربي السوري في حلب»، الأمر الذي يعني أن هذه العمليات في الريف الجنوبي جزء من سلسلة عمليات ستمتد إلى الأرياف الأخرى ضمن ما أطلق عليه مصدر عسكري «معركة حلب الكبرى». وأصدرت «القيادة الموحدة» بياناً في بداية العمليات، أعلنت فيه بدء معاركها، ألحقته ببيان آخر موجه للفصائل المسلحة في المنطقة حمل خطاباً شديد اللهجة، حيث اعتبر أن أي «تعاون أو إيواء للمسلحين يعتبر هدفا للقوات المسلحة»، و «أي قرية تنطلق منها مؤازرات للمسلحين تعتبر شريكة لهم، وبالتالي تدخل ضمن إطار العمليات الحربية»، فيما أشار إلى أن «كل من يرفع الراية البيضاء فهو آمن».
وعلى الرغم من الحشد الكبير لقوات «غرفة عمليات فتح حلب» في الريف الجنوبي، وهي الفصائل التي أعلنت قبل نحو شهرين عملها ضمن غرفة عمليات واحدة هدفها اقتحام مدينة حلب، تمكنت قوات الجيش السوري من السيطرة على سلسلة من المناطق، تعتبر تلة الشهيد أبرزها، حيث إنها تطل على الطريق الدولي حلب – دمشق وترصد نارياً الطريق وصولاً إلى سراقب وفق مصدر ميداني. وتسيطر على هذه المنطقة فصائل إسلامية، بينها «جبهة النصرة».
وبموازاة العمل العسكري الذي انطلق في ريف حلب الشمالي، تابعت قوات الجيش السوري عملياتها في ريف حلب الشرقي، التي تهدف إلى فك الحصار عن مطار كويرس الذي يحاصره مسلحو تنظيم «داعش»، حيث بسطت سيطرتها على قريتي قصير الورد والناصرية.
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2015-10-17
محمد بلوط
Discussion about this post