ليس هناك من أحد في العالم يملك الحدّ الأدنى من العقل لا يدرك أنّ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب تأييد القرار الإسرائيلي ضمّ الجولان السوري المحتلّ إلى الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين العربية المحتلة منذ سنة 1948، إنما يأتي في سياق تحقيق مصلحة مشتركة له ولرئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، فترامب بحاجة ماسة إلى دعم اللوبي «الإسرائيلي» الأميركي، صاحب النفوذ القوي في الولايات المتحدة، لمواجهة معارضيه الذين صعّدوا من الحملة ضدّه ويدفعون باتجاه محاسبة ترامب على فضائح فساد وخرق القوانين ودور روسيا في حملته الانتخابية عام 2016، حيث يقوم المحقق الخاص روبرت مولر في التحقيق في هذا المجال لا سيما أنّ شهادة محامي ترامب مايكل كوهين أمام الكونغرس وفرت دليل إدانة قوياً ضدّ ترامب، عزّز من الاتهامات الموجهة إليه، مما يجعله في وضع صعب.
أما نتنياهو فإنه ليس أفضل حالاً من حليفه وسنده ترامب، فهو يواجه اتهامات بالفساد عشية إجراء الانتخابات في أوائل نيسان المقبل اعتبرها حزب الليكود اغتيالاً سياسياً، ويبدو من الواضح أنّ إعلان ترامب الذي سبقه اعترافه بالقدس عاصمة موحدة لدولة الكيان الصهيوني ومن ثم تأييد إقرار قانون الدولة القومية اليهودية، إنما يهدف إلى تعزيز مواقف نتنياهو، وفي نفس الوقت حصول ترامب على رضى ودعم اللوبي «الإسرائيلي» الأميركي في واشنطن.. لكن هذه السياسة الترامبية لا تقف عند هذا الحدّ بل أنّ لها نتائج أخرى أبعد من الفائدة الشخصية التي يريدها كلّ من الرئيس الأميركي ورئيس وزراء العدو.. تكمن هذه النتائج في إطلاق النار مباشرة على أيّ مساعي دولية لتحقيق تسوية للصراع العربي الصهيوني، بل أنها تؤدّي الى إسقاط خيارات الرهان على حلول سياسية، لا تزال تراهن عليها بعض الدول في العالم مثل روسيا والصين، انطلاقاً من القرارات والقوانين الدولية، وتدفع إلى زيادة التوترات كما قالت روسيا، التي رأت أنّ مواقف ترامب يمكن أن يؤدّي إلى تقويض التسوية السياسية، في حين وجدت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أنّ قادة اليمين «الإسرائيلي» سيجدون في موقف ترامب، «ضوءاً أخضر لضمّ الضفة الغربية»… غير أنّ الصحيفة رأت أيضا أنّ الخطوة لها نتاىج خطيرة على كيان الاحتلال الصهيوني حيث قالت «إنّ هذه الخطوة هي الأكثر خطورة ويمكن أن تعرّض إسرائيل لتهديد وجودي لا مثيل له»…
من يتابع تعليقات الصحافة الأميركية والغربية في هذا السياق يلحظ بوضوح التحذير من تداعيات هذه السياسة الأميركية التي «ستحول دون استقلال دولة فلسطينية وتخاطر بإشعال الشرق الأوسط بأكمله»، ومن شأنها أن تؤدّي إلى انهيار التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال «الإسرائيلية»، ومن المحتمل أيضاً أن تتسبّب في زوال هذه السلطة ما يجبر «إسرائيل» على العودة إلى تحمّل مسؤولية وتبعات احتلالها للضفة الغربية.. لكن ما يقلق مناصري الاحتلال الصهيوني أنّ سياسات ترامب توفر الفرصة المواتية لحلف المقاومة، المنتصر في سورية، لأن يعزز من توضعه على جبهة الجولان وزيادة استعداداته لإطلاق المقاومة المسلحة ضدّ الاحتلال الصهيوني في الجولان، وهو ما لفتت إليه صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية من أنّ إعلان ترامب يمثل هدية لحزب الله والرئيس بشار الأسد، ويعدّ فرصة لهما للتعبئة حول المقاومة… واصفة القرار بأنه خطأ لأنه يخالف ركائز النظام العالمي لما بعد اتفاق عام 1945 الذي يؤكد على أن لا إمكانية لأيّ دولة تغيير الحدود بالقوة معتبرة أنّ ترامب أطاح بهذا التفاهم…
من الواضح أنه بغضّ النظر عن المصلحة المباشرة لكلّ من ترامب ونتنياهو من وراء دعم سياسات التوسع والاحتلال الصهيونية، وتكريس الاستيلاء على الأراضي المحتلة في فلسطين والجولان وجنوب لبنان، فإنّ هذه السياسات إنما تدعم وتعزز خيار المقاومة باعتباره هو الخيار الوحيد لتحرير الأرض العربية المحتلة واستعادة الحقوق السليبة، وانّ المراهنة على خيار التسوية سقط سقوطاً مدوياً بالتجربة وبفعل السياسات الترامبية التي قضت على أيّ إمكانية للتسوية.. على أنّ هذه الخلاصة تأتي في وقت أثبت فيه خيار المقاومة نجاحه في تحرير الأرض جنوب لبنان وقطاع غزة وتحقيق الانتصارات ضدّ جيوش الاحتلال الصهيونية والأميركية والغربية في العراق وجنوب لبنان وضدّ وكلاء وأدوات واشنطن وتل أبيب من إرهابيّين وغيرهم، في سورية واليمن إلخ… وانّ هذه الانتصارات عزّزت من قوة حلف المقاومة وأضعفت الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط، واستطراداً جعلت كيان الاحتلال الصهيوني في وضع مأزوم بفعل تراجع قدرته الردعية والقتالية.. كما أنّ هذه الخلاصة تأتي لتزيد من القناعة لدى شباب المقاومة والانتفاضة في فلسطين المحتلة في مواصلة عملياتهم ضدّ الاحتلال والمستوطنين، والتي كان آخرها عملية الشهيد المقاوم عمر أبو ليلى …
قد يكون ترامب قد عزز وشجع كيان العدو على مواصلة سياساته التوسعية وتكريس احتلاله، لكنه في الوقت نفسه أسهم ويسهم بالتأكيد في تعزيز وتزخيم ودعم خيار المقاومة باعتباره هو الخيار الوحيد المتاح لتحرير الأرض المحتلة واستعادة الحقوق.. وكشف للمرة الألف أنّ السياسة الأميركية إنما هي نفسها السياسة الصهيونية لا فرق بينهما.. فأميركا مثل «إسرائيل» نشأة على حساب سكان الأرض الأصليين، انْ كان على حساب شعب الهنود الحمر في الولايات المتحدة، أو على حساب شعبنا في فلسطين المحتلة…
حسن حردان – البناء اللبنانية