أن يتزامن توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعلانًا يعترف بسيادة كيان الاحتلال الإسرائيلي على هضبة الجولان السوري المحتل مع ما خلص إليه تقرير المحقق الخاص روبرت مولر بعدم وجود أدلة بأن حملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد تآمرت أو تعاونت مع الحكومة الروسية من أجل التأثير على الانتخابات الرئاسية عام 2016م، كان أمرًا متوقعًا بالنظر إلى جملة المواقف السياسية التي أطلقها ترامب من أجل دعم كيان الاحتلال الإسرائيلي، وصديقه الحميم بنيامين نتنياهو في حملته الانتخابية ومساندته في الهروب من القضايا التي تلاحقه بتهم الفساد والرشوة، وهروب ترامب نفسه من الاتهامات التي تلاحقه والمطالبات بمساءلته قانونيًّا؛ أي لحسابات سياسية وانتخابية تخص الاثنين معًا.
إن إعلان الولايات المتحدة هذا لا يختلف عن قرارها الاعتراف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي ونقلها سفارتها إلى المدينة المحتلة من حيث المخالفة للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية، إلا أن القيمة القانونية والشرعية لهذا الإعلان لا مكان له أولًا أمام القرارات الدولية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة والتي يجب أن يلتزم كيان الاحتلال الإسرائيلي تحديدًا بتنفيذها وباحترامها، وثانيًا لا معنى له أمام الموقف العربي والدولي الواضح والرافض لسيادة العدو الإسرائيلي على هضبة الجولان السوري، وثالثًا لا اعتبار ولا قيمة له ومرفوض جملة وتفصيلًا من قبل سوريا شعبًا وجيشًا وقيادة.
إن الولايات المتحدة ممثلة بإدارتها الحالية وبشخص رئيسها ومن خلال سلوكها المعادي للشعوب العربية والسالب لحقوقها، والداعم لقوة قائمة بالاحتلال تسمى “إسرائيل” إنما ترسم صورة مختلفة عن الصور التي كانت عليها، وإن كانت تحرص على أن تكون صورًا رمادية، وتلتزم أسلوب المواربة وعدم التصريح، وبالتالي تكشف عن وجهها الحقيقي وموقعها في المنطقة ليس كما تدَّعيه وتقوله بأنها هنا في المنطقة وعسكرتها من أجل الدفاع عنها وحمايتها من أعداء صنعتهم أميركا بنفسها، وأجبرت بعض العرب على تصديقها بأنهم أعداء للمنطقة ولشعوبها، وإنما هي هنا لأجل مصالحها فقط من حيث تأمين استمرار تدفق مصادر الطاقة، والاستفراد بثروات هذه المنطقة الغنية، ولتأمين بقاء حليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي، كما أنها تثبت بهذه القرارات والمواقف المرفوضة شعبيًّا ورسميًّا على جميع المستويات في المنطقة أن ليس لها أصدقاء ولا حلفاء سوى كيان الاحتلال الإسرائيلي، وأن مدار سياساتها وتحركاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية لخدمة تلك المصالح وأمن كيان الاحتلال الإسرائيلي.
إن الولايات المتحدة تعلم يقينًا أن قراراتها المعادية لدول المنطقة هي خارقة للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية، خصوصًا وأنها كانت أحد المؤيدين لتلك القرارات التي تعترف بسورية الجولان وترفض سيادة كيان الاحتلال الإسرائيلي عليه، وهذا التحول كافٍ لإعطاء انطباع لدى دول المنطقة وشعوبها بأن الولايات المتحدة تجنح لسياسات لا تسهم في استقرار المنطقة، بل تعبث به وتلعب بالنار.
إن ما يمكن قوله تجاه ذلك، هو أنه أيًّا كانت طبيعة المواقف الصهيو ـ أميركية إزاء الحقوق العربية والفلسطينية، سياسية أو انتخابية أو تآمرًا وعدوانًا وسطوةً فإنها لن تغير من الواقع شيئًا، ومن حقائق التاريخ والجغرافيا وضعًا، بل إن هذه المواقف والتحركات الخارجة عن القانون الدولي وعن الشرعية الدولية والمخالفة للقرارات الدولية ذات العلاقة، لن تثني شعوب المنطقة وأحرارها عن مواصلة نضالاتهم وتقديم دمائهم وأموالهم وأنفسهم رخيصة من أجل استعادة هذه الحقوق المغتصبة، وردع المعتدي والمحتل والمجرم، وإيقافه عند حده، بل إنها أيضًا ستزيد شعوب المنطقة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني والسوري والمقاومة ثباتًا وعزمًا وإرادة في مواقفهم وصمودهم ومقاومتهم، كما أن هذا السطو على المكشوف يعجل بتحرك شعوب المنطقة وأحرارها ومقاومتها نحو اتخاذ ما تكفله لهم الشرعية الدولية والقانون الدولي، وكذلك الشرائع السماوية.
الوطن العمانية